للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التجارة لا تلهي عن الواجبات عامة ولا تلهي عن الصلوات خاصة]

التاجر الصادق مع الله ومع نفسه هو الذي يوازن بين أمور الدنيا وأمور الآخرة فيعطي كلاً حقه وقد أثنى الله عز وجل على الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ولا عن شيء من الواجبات فقال: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} سورة النور الآية ٣٧.

قال القرطبي [قوله تعالى: {لَا تُلْهِيهِمْ} أي لا تشغلهم. {تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} خص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل بها الإنسان عن الصلاة ... {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} اختُلِفَ في تأويله؛ فقال عطاء: يعني حضور الصلاة، وقاله ابن عباس، وقال: المكتوبة. وقيل عن الأذان؛ ذكره يحيى بن سلام. وقيل: عن ذكره بأسمائه الحسنى؛ أي يوحدونه ويمجدونه. والآية نزلت في أهل الأسواق؛ قاله ابن عمر. قال سالم: جاز عبد الله بن عمر بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال: فيهم نزلت: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ} الآية. وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله). وقيل: إن رجلين كانا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، أحدهما بياعاً فإذا سمع النداء بالصلاة فإن كان الميزان بيده طرحه ولا يضعه وضعاً، وإن كان بالأرض لم يرفعه. وكان الآخر قيناً يعمل السيوف للتجارة، فكان إذا كانت مطرقته على السندان أبقاها موضوعة، وإن كان قد رفعها ألقاها من وراء ظهره إذا سمع الأذان؛ فأنزل الله تعالى هذا ثناءً عليهما وعلى كل من اقتدى بهما ... قوله تعالى {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} هذا يدل على أن المراد بقوله {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} غير الصلاة؛ لأنه يكون تكراراً ... قوله تعالى {وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} قيل: الزكاة المفروضة؛ قاله الحسن. وقال ابن عباس: الزكاة هنا طاعة الله تعالى والإخلاص؛ إذ ليس لكل مؤمن مال. {يَخَافُونَ يَوْمًا} يعني يوم القيامة. {تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} يعني من هوله وحذر الهلاك] تفسير القرطبي ١٢/ ٢٧٩ - ٢٨٠.

<<  <   >  >>