للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حقاً، ولم يعتقد لهم حرمة، ولم يراقب فيهم إلاًّ (١) ولا ذمة، وكان عليهم- مثل ما كان على نفسه- أظلم الظالمين.

وإبليس اللعين- نعوذ بالله تعالى منه- كان أصل هلاكه، من عجبه بنفسه، وأنه خلق من النار، وأنه خير من آدم، فتكبر عليه فكان من الظالمين الهالكين.

[ترك العجب شرط في حسن وكمال الأخلاق]

تربية النفوس تكون بالتخلية عن الرذائل، والتحلية بالفضائل.

والعجب هو أساس الرذائل، فأول الترك تركه.

وهو المانع من اكتساب الفضائل فشرط وجودها تركه كذلك.

ومن لم يكن معجباً بنفسه، كان بمدرجة التخلق بمحاسن الأخلاق والتنزه عن نقائصها، لأن الإنسان مجبول على محبة الكمال وكراهة النقص، فإذا سلم من العجب فإن تلك الجبلة (٢) تدعوه إلى ذلك التخلق والتنزه، فإذا نبه على نقصه لم تأخذه العزة، وإذا رغب في الكمال كانت له إليه هزة، فلا يزال بين التذكيرات الإلهية، والجبلة الإنسانية الخلقية، يتهذب، ويتشذب، حتى يبلغ ما قدر له من كمال.

ولهذه المعاني التي تتصل بتفسير هذه الآية الكريمة- وهي أصول في علم الأخلاق- عَنْوَنَّا عليها بآية الأخلاق.

...

[تأكيد الأوامر والنواهي المتقدمة بطريق الإيجاز]

{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}.

إن الغاية التي يسعى إليها كل عاقل هي السعادة الحقة، وإن التكاليف الإسلامية كلها شرعت لسوقه إليها؛ ولما كانت أصولها قد تضمنتها الآيات السابقة أمراً ونهياً بطريق الإطناب والتفصيل؛ أعيد الحديث عنها في هذه الآية بطريق الإيجاز والإجمال، قصداً للتأكيد وتقرير هذه الأصول العظيمة في النفوس، مع اشتمال هذه الآية الموجزة على ما لم يشتمل عليه ما تقدمها. وهذا من بديع التأكيد، لاشتماله على السابق مع شيء جديد.

(السىّء): هو القبيح، والقبائح المنهي عنها فيما تقدم قبيحة لذاتها، ولنهي الله تعالى عنها.

و (المكروه) هو المبغوض المسخوط عليه، وهو ضد المحبوب المرضي عنه.

والمحاسن محبوبة لله أمر بها ويثيب عليها ويرضى على فاعلها، والمقابح مبغوضة له تعالى، نهى عنها، ويعاقب عليها، ويسخط على مرتكبها.


(١) الإلّ: العهد. وفي التنزيل العزيز: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}.
(٢) الجبلة (بكسر الجيم والباء وتشديد اللام): الخِلْقة. وفي التنزيل العزيز: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ} والجبلة في هذه الآية الكريمة بمعنى: الأمَّة. انظر (المعجم الوسيط: [ص:١٠٦]).

<<  <   >  >>