للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سلوك المكرمين]

إمتن الله تعالى على بني آدم بهذا التكريم لهم في شرف الخلقة ورفعتها، وكثرة المنفعة وتيسير أسبابها- تذكيراً لهم بنعمته ليشكروها، فيزيدهم منها؛ وتعريفاً لهم بشرف أنفسهم ليقدروها، فينتفعوا بها.

فهذان الأمران هما الحكمة المقصودة بهذا الامتنان. فلنتكلم عليها في الفصلين التاليين.

[شكر العبد لنعمة ربه]

قد ابتدأنا بهذه الكرامة في الخلقة بدون سعي منا ولا عمل، وهو المبتدىء بالنعم قبل استحقاقها؛ فمن كبر هذه الكرامة وشكرها، كان من المكرمين. ومن لم يعرف قيمتها وكفرها كان من المهانين. {ومن يهن الله فما له من مكرم} [الحج: ١٨].

فلنقابل هذا التكريم في الخلقة بالشكر الجزيل: بأن نعقد قلوبنا على تعظيم النعمة به ونطلق ألسنتنا بالاعتراف والثناء على مسديه، ونستعمل هذه الخلقة الكريمة في مراضي ربنا وطاعته، متوسلين بشكر ما ابتدأنا به خالقنا من تكريم الخلقة، إلى ما وعد به الشاكرين من تكريم الجزاء والمثوبة بأنواع ألطافه وأنعامه وجزيل فضله وإكرامه؛ فسبحانه وتعالى ذو الجلال والإكرام.

[معرفة العبد لقدر نفسه]

قد استودعنا خالقنا خلقة كريمة، فعلينا أن نعرف قيمتها، وأن نقدرها. وحق على من كرمه ربه أن يكرم نفسه:

أ- فعلينا أن نكرم أنفسنا بتكريم أرواحنا، بتنزيهها عن مساوىء الأخلاق، وتحليتها بمكارمها.

ب- وتكريم عقولنا، بتنزيهها عن الأوهام، والشكوك، والخرافات، والضلالات، وربطها على العلوم والمعارف وصحيح الاعتقادات.

جـ- وتكريم جوارحنا بتنزيهها عن المعاصي، وتجميلها بالطاعات؛ فنتحرى بأقوالنا وأفعالنا أكرم الأقوال، وأكرم الأعمال. ونترفع عن جميع الرذائل والدنايا ونتباعد عن كل مواطن السوء والسفالة.

د- ونحفظ كرامتنا وشرفنا أمام الله والناس. ونجتهد أن لا يمسها سوء لا منا، ولا من غيرنا.

فإذا قدرنا- هكذا- أنفسنا، وشكرنا- كما تقدم- ربنا، بلغنا- بإذن الله تعالى- أبعد الغايات من التكريم والتفضيل.

يسرنا الله، والمسلمين أجمعين لما يسر له عباده المكرمين المفضلين برحمتك يا أرحم الراحمين.

<<  <   >  >>