للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجيبون عن حديث جابر وبريدة بأن المراد من كفر تارك الصلاة، هو الكفر العملي.

والكفر قسمان:

اعتقادي وهو الذي يضاد الإيمان.

وكفر عملي وهو لا يضاد الإيمان، ومنه كفر تارك الصلاة غير المستحل للترك، وكفر من لم يحكم بما أنزل الله كذلك. وبهذا يجمع بين الأحاديث.

وكفى زاجراً للمرء عن ترك الصلاة أن يختلف في إيمانه هذا الاختلاف.

...

[تعليم]

في ربط الصلاة بالأوقات، تعليم لنا، لنربط أمورنا بالأوقات، ونجعل لكل عمل وقته: فللنوم وقته، وللأكل وقته، وللراحة وقتها، ولكل شيء وقته.

ولذلك يضبط للإنسان أمر حياته، وتطرد له أعماله، ويسهل عليه القيام بالكثير من الأعمال.

أما إذا ترك أعماله غير مرتبطة بوقت، فإنه لا بد أن يضطرب عليه أمره، ويتشوش باله، ولا يأتي إلاّ بالعمل القليل ويحرم لذة العمل، وإذا حرم لذة العمل أصابه الكسل والضجر فقل سعيه، وكان ما يأتي به من عمل على قلته وتشويشه بعيدا عن أي إتقان.

وقد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقسماً لزمانه على أعماله، وفيه القدوة الحسنة؛ فقد روى عياض في "الشفا" عن علي- رضي الله عنه قال:

«فكان- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: فجزءاً لله، وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه.

ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس؛ فيرد ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدخر عنه شيئاً؛ فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمته على قدر فضلهم في الدين: منهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج؛ فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم.

ويقول: ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته. فإنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة.

لا يذكر عنده إلاّ ذلك، ولا يقبل من أحد غيره. يدخلون رواداً ولا يتفرقون إلاّ عن ذواق ويخرجون أدلة» (١) اهـ.


(١) انظر "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض، الباب الثاني، الفصل الثالث والعشرون. وأوله: «قال الحسين: سألت أبي عن دخول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك، فكان ... الخ».

<<  <   >  >>