للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحتملٍ أن يكون حالاً، وهذا يجري على عود الضمير على القرآن بمعنى الصلاة.

{مقاما}، إما مصدر من غير لفظ عامله الذي هو "يبعثك"، بمعنى يقيمك من مرقدك. وإما ظرف أي يبعثك في مقام.

و {محموداً}، صفة لمقام. ولكن الذي يحمد حقيقة هو القائم في المقام؛ فجعل الحمد للمقام توسعاً، تنبيها على عظم الحمد وكثرته؛ فإنه فاض على صاحب المقام حتى غمر مقامه.

[المعنى]

إسهر بعضاً من الليل فتعبد بالقرآن في الصلاة، زيادة على تعبدك به في صلاة فرضك؛ فتكون على رجاء أن يبعثك ربك من مرقدك يوم يقوم الناس لرب العالمين؛ فيقيمك مقاماً يحمدك فيه جميع الناس، لما يرون لك من فضل، وما يصل إليهم بسببك من خير.

[مسائل]

المسألة الأولى: كيف يكون التهجد؟

لفظ التهجد يفيد ترك النوم للعبادة، فيشمل تركه كله أو بعضه: بأن لم ينم أصلاً. أو لم ينم أولًا ثم رقد. أو نام أولًا ثم قام.

لكن ثبت أن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كان ينام ثم يقوم، فبينت السنة العملية أن التهجد المطلوب هو القيام بعد النوم.

[المسألة الثانية]

هل كان قيام الليل فرضا عليه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- دون أمته، بمقتضى قوله تعالى: {نافلة لك}؟

أولًا- قد ذهب إلى هذا جماعة كثيرة من أهل العلم سلفاً وخلفاً.

ويرد عليه:

١ - أن توجيه الخطاب إليه لا يقتضي تخصيص الحكم له، كما في آية {أقم الصلاة لدلوك الشمس} وآيات كثيرة.

٢ - ولأن قيام الليل يقع من غيره؛ فيسمى نافلة اتفاقاً.

٣ - ولحديث عائشة رضي الله عنها: «إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة- تعني سورة المزمل- قم الليل. فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حَوْلاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا، حتى أنزل الله- في آخر هذه السورة- التخفيف، فصار قيامه تطوعاً بعد فرضه». رواه مسلم (١).


(١) في صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم١٣٩. وهو جزء من حديث طويل رواه أيضاً أحمد في المسند (٦/ ٥٤) والنسائي في قيام الليل باب٢.

<<  <   >  >>