للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذا يدل على أنهم فهموا أن الأمر من قوله تعالى: "قم" لهم معه، مع أنه موجه إليه بخطاب الأفراد. وأنه كان فرضاً عليه وعلى الناس، فصار تطوعاً عليه وعلى الناس.

٤ - ولحديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين وغيرهما: قام رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حتى تورمت قدماه. وهذا لمداومته على القيام كل ليلة ببضع عشرة ركعة. فقيل له: قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً» (١).

فلو كانوا يعلمون أن قيام الليل واجب عليه، ويفهمونه من القرآن لما أنكروا- مشفقين عليه- أن يقوم بما هو واجب عليه، ولأن قوله: «أفلا أكون عبداً شكورا»، يفيد أنه متطوع بهذا القيام باختيار، ليؤدي شكر نعمة ربه عليه.

فإن قيل: إن السؤال والجواب راجعان إلى تورم قدميه، وذلك ناشىء على المداومة؟

قيل: إذا أنكرت الشيء الناشىء عن المداومة فقد أنكرت المداومة، والمداومة على الفرض لا تنكر، فبقى الدليل سالماً.

ثانيا؛ ولهذا كله، قال هؤلاء الموردون؟

إن قيام الليل تطوع ونفل في حقه وفي حق أمته.

وبقي للأولين أن يقولوا:

أ- إن قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} خاص به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتفاقاً، وقد جعل جزاء لتهجده بالليل، ولما كان الجزاء خاصاً به فالعمل المجزي عنه خاص به. فلهذا حملنا قوله على معنى دون غيرك.

ب- ولما رأيناه واظب على التهجد ولم يتركه، حملناه على أنه كان مفروضاً عليه. وحملنا "نافلة" على معنى أنها فريضة زائدة فوق الصلوات الخمس.

فيقول المخالفون في هذا:

إنكم حملتم النافلة على الفريضة، وهذا خلاف أصل معناها الذي هو التطوع.

وأما ما ذكرتم من خصوص الجزاء به؛ فإنا نقول إن الخطاب موجه له في الأول وفي الآخر؛ ففي الأول لما لم يعارضنا معارض ألحقنا به أمته؛ وفي الثاني لما منعنا مانع، وهو اختصاصه بالمقام المحمود لم نلحقهم به. وبقي الجزاء مساوياً للعمل في صورة اللفظ حيث كان كل منهما موجها إليه.

وإذا تأملت في هذا البحث الذي سقناه أدركت أن القول بعدم الخصوصية هو الراجح،


(١) اخرجه البخاري في تفسير سورة٤٨ باب٢، والتهجد باب٦. ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم حديث٧٩و٨٠. والترمذي في الصلاة باب١٨٧. والنسائي في قيام الليل باب١٧. وابن ماجة في الإقامة باب٢٠٠. وأحمد في المسند (٤/ ٢٥١، ٢٥٥).

<<  <   >  >>