للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[صفتان من صفات النوع الإنساني: الإعراض عن النعمة واليئوس من الرحمة]

{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (٨٤)} [الإسراء: ٨٣ و ٨٤].

[تمهيد]

في النوع الإنساني غرائز غالبة عليه، لا يسلم منها إلاّ من عصم الله، أو وفق إلى الإيمان والعمل الصالح، وفي آيات القرآن العظيم بيان لكثير من تلك الغرائز، للتحذير من شرها، والتنبيه على سوء مغبتها، منها هذه الآية الكريمة.

[المناسبة]

لما ذكر تعالى أن القرآن يكون شفاء ورحمة للمؤمنين، ولا يزيد الظالمين إلاّ خساراً، بين تعالى سبب خسار أولئك الظالمين، وهو إعراضهم عن الله، وبعدهم عنه، ويأسهم من رحمته. وعلم منه أن المؤمنين الذين كان القرآن لهم شفاء ورحمة هم على الضد منهم: فهم أهل إقبال على الله تعالى، وقرب منه، ورجاء فيه.

{أنعمنا} أوصلنا أنواع الإحسان.

{الإنسان} المراد به النوع، باعتبار مجموعه، فلا ينافي خروج أفراد كثيرين بالعصمة والتوفيق.

{أعرض} صد بوجهه إلى ناحية أخرى، فأرى عرض وجهه، أي ناحية وجهه.

{نأى} بعد.

{بجانبه} بناحيته بشقه الأيمن أو الأيسر، والباء للتعدية أي أبعد جانبه.

{مسه} أصابه.

{الشر} البلايا والرزايا بأنواعها.

{يئوسا} شديد اليؤس والقنوط، وعدم انتظار الفرج.

جيء بفعل الشرط وجوابه (١) ماضيين، لتحقق وقوعهما؛ ولذلك كان التعليق بـ "إذا" وجواب الشرط والفعل والمعطوف عليه، فيهما الصورة التامة للمعرض غاية الإعراض؛ فإنه يصرف عنك وجهه، وهذا مفاد الفعل الأول (٢) ويلوي عنك [[عطفه]] ويبعد جانبه، ويوليك ظهره،


(١) فعل الشرط: أنعمنا. وجوابه: أعرض، وناى.
(٢) أي "أعرض".

<<  <   >  >>