للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا ... فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا (١)

ومنه {الجاهلون} في الآية.

{سلاماً} السلام كالسلامة معناهما: التعري من الآفات والمكروهات.

وصلت الجملة بما قبلها بالواو، لاشتراكهما في القصد وهو التعريف بالرحمن وبعباده. وعباد مبتدأ، والذين خبر.

وأضاف العباد للرحمن تخصيصاً لهم وتفصيلاً وتقريباً، وفيه تعريض بأولئك المتجاهلين المتكبرين المبعدين.

وهوناً منصوباً على أنه مفعول مطلق، والتقدير مشياً هوناً أو على أنه حال من فاعل يمشون، أي هينين. ومجيء المصدر حالاً كثير، ولمصدريته أفراد والموصوف جمع، نظير الزيدون عدل.

و {يمشون على الأرض هونا} تركيب كنائي، أريد به معناه، ولازم معناه:

فهم يمشون هينين برفق وتثبت، لا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشراً وبطراً، هذا أصل المعنى وهو مراد.

ومراد أيضاً لازمه وهو سهولتهم وتواضعهم وعدم تكبرهم ورفقهم في الأمور وبعدهم عن الإفساد.

ومراد لازم آخر أيضاً: وهو سيرهم في الحياة وتصرفهم في جميع الأمور، ومعاملتهم للناس، فإذا كانوا أهل رفق وسهولة في مشيتهم في الأرض، فكذلك هم أهل رفق وسهولة في الأمور الأخرى مما ذكرنا؛ لأن الرفق والسهولة خلق فيهم، فكما هو في المشي هو في غيره.

وكانت الصلة بالمضارع (٢) ليفيد التجدد، فإن المشي هو في الأرض ضروري للإنسان.

وكان المعطوف على الصلة بصورة الشرط (٣)؛ لأن خطاب الجاهلين لهم ليس مما يكون دائماً.

وكان التعليق بلذا لأن مخاطبة الجاهلين لهم بالسوء أمر محقق.

ومتى سلم أهل العلم والدين من الجاهلين؟!!


(١) البيت من معلقة عمرو بن كلثوم، ومطلعها:
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِينَا ... وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ لِأَنْدَرِينَا (شعر عمرو بن كلثوم: [ص:٤٠].- طبعة الدار العالمية).
وقوله: «فنجهل فوق جهل الجاهلينا» معناه: فنهلكه فنعاقبه بما هو أعظم من جهله. وقال الزوزني في شرح المعلقات [ص:٢٥٢].: «أي لا يسفهن أحد علينا فنسفه عليهم فوق سفههم علينا».
(٢) في: {يمشون}.
(٣) في قوله: {وإذا خاطبهم}.

<<  <   >  >>