للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجاهلية، أو تُحْيَى فيه معالم الوثنية، أو تطمس فيه السنة النبوية، أو يدعى فيه أحد مع الله، أو يضرع إلى سواه.

وعلى الاحتمال الثاني: والذين لا يشهدون شهادة الزور ولا يخبرون إلاّ بالحق الواقع.

[ترجيع وترجيح]

يلزم من أنهم لا يشهدون مشاهدة الباطل أنهم لا يشهدون بالزور لوجهين:

الأول: لأنهم إذا كانوا لا يحضرون مجالس الباطل فبالأحرى أنهم لا يقولونه.

والثاني: أن مشهد شهادة الزور من مشاهد الباطل التي لا يحضرونها؛ فيكون الوجه الأول أولى لأنه أشمل.

[توسع في البيان]

على أنه من بلاغة القرآن أن تأتي مثل هذه الآيات بوجوه من الاحتمالات متناسبات غير متناقضات؛ فتكون الآية الواحدة بتلك الاحتمالات كأنها آيات: نظير مجيء الآية بقراءتين، فتكون كآيتين مثل قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦].

وقوله تعالى في آية الوضوء: {وَأَرْجُلَكُمْ} (١) [المائدة: ٥]. بالنصب عطفاً على الوجه فيفيد غسل الأرجل، وتلك هي الحالة الأصيلة العامة. وبالخفض عطفاً على الرؤوس فيفيد مسح الأرجل وتلك هي حالة الرخصة عند لبس الخفاف.

فتكون هذه الآية باحتمالها مفيدة تنزههم عن شهود الباطل، وعن شهادته.

[موعظة]

قال جار الله (٢) في الكشاف، عن هؤلاء الموصوفين من عباد الرحمن:

«إنهم ينفرون عن محاضر الكذابين، ومجالس الخطائين فلا يحضرونها، ولا يقربونها؛ تنزهاً عن مخالطة الشر وأهله؛ وصيانة لدينهم عما يمثله لأن مشاهدة الباطل شركة فيه.

ولذلك قيل في النظارة إلى كل ما لم تسوغه الشريعة: هم شركاء فاعليه في الإثم، لأن حضورهم دليل الرضا به وسبب وجوده والزيادة فيه؛ لأن الذي سلط على فعله هو استحسان النظارة ورغبتهم في النظر إليه» اهـ.

وهذا كما قال؛ فإن حضور مشاهد الباطل إقرار لأهلها عليها، وترك للنهي عن المنكر. وقد قال الله تعالى:

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: ٧٨].


(١) {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
(٢) هو جار الله الزمخشري صاحب تفسير الكشاف.

<<  <   >  >>