للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٦٨].

فتعم الآية كل ظالم، فلا تجوز لأحد مجالستهم مع ترك النكير عليهم، ولا يكفي أن ينكر ويجلس؛ لأنه يكون ببقائه معهم قد أظهر ما يدل على الرضا بفعلهم، ونقض بالفعل إنكاره عليهم بالقول.

وروى الطبراني والبيهقي بإسناد حسن عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لا يقفن أحدكم موقفاً يقتل فيه رجل ظلماً، فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه» (١).

فأخبر أن اللعنة تنزل على الحاضرين لعدم دفعهم، واقتضى أنهم غير راضين بقلوبهم، وأحرى إذا رضوا.

فلا يجوز من هذا الحديث وغيره حضور الظلم والقبائح مع عدم دفعها، ولو مع عدم الرظا بها.

وروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال لأصحابه لما وصلوا الحجر- ديار ثمود:

«لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلاّ أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم» (٢).

فإذا كان هذا فيمن ماتوا من أهل العذاب، فمثلهم مجالس أهل السوء والفساد، فإذا نزلت اللعنة والعذاب عمتهم ومن كان معهم.

وشهادة الزور المرادة بالنص على الوجه الثاني (٣)، أو اللزوم على الوجه الأولى (٤) من أكبر الذنوب إثماً، وشر الكبائر مفسدة تنقلب بها الحقائق، وتضيع بها الحقوق، وتبطل المعاملات، وتزول الثقة بين الناس، وتتعرض النفوس والأموال والأعراض للأذى والشر، وتنعدم طمأنينة الناس على ما يعلمون من أنفسهم.

وصح عنه- عليه وآله الصلاة والسلام- أنه قال:


(١) رواه الطبراني في المعجم الكبير (١١/ ٢٦٠) والهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٢٨٤) والمتقي الهندي في كنز العلمال (١٣٤١١) والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٣٠٤).
(٢) أخرجه البخاري في الصلاة باب ٥٣، وأحاديث الأنبياء باب ١٧، وتفسير سورة ١٥ باب ٢، والمغازي باب.٨. ومسلم في الزهد حديث ٣٨ و ٣٩. وأحمد في المسند (٢/ ٩، ٥٨، ٦٦، ٧٢، ٧٤، ٩١، ٩٦، ١١٣، ١٣٧).
(٣) أي شهادة الزور.
(٤) أي عدم مشاهدة الباطل.

<<  <   >  >>