للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبقدر ما تتساهل بالوقوف عليه تقرب من الدخول فيه، وإذا دخلت فيه واستأنست بأهله جرك إلى الزور وعظائم الأمور.

وللشر أسباب متواصلة، وأنساب متصلة يؤدي بعضها إلى بعض، فينتقل المغرور الغافل من خفيها إلى جليها، ومن صغيرها إلى كبيرها.

فالحازم من لم يسامح نفسه في قليلها، ويباعد كل البعد عنها وعن أهلها، وقد هدتنا هذه الآيات لنهتدي، وذكرت عباد الرحمن لنقتدي.

...

[الصفة الحادية عشرة]

{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (٧٣)} [الفرقان: ٧٣].

لما وصفهم فيما تقدم بإعراضهم عن الباطل، ومجانبتهم لأهله، وبعدهم عنه، وصفهم هنا بإقبالهم على الحق، وإكبابهم عليه، متفهمين مستبصرين.

{ذكروا} وعظوا ونبهوا. {بآيات ربهم} هي آيات القرآن، وفيها التذكير بآيات الأكوان التى ترى بالعيان.

(الخرور) هو السقوط كسقوط الساجد. (الأصم) فاقد حاسة السمع، أو الذي لا يتدبر ما يسمع فلا ينتفع به، وهو المراد هنا.

و (الأعمى) فاقد حاسة البصر، أو الذي لا يعتبر فيما يبصر فلا ينتفع به، ويكون الأعمى بمعنى فاقد الإدراك القلبي وهو عمى البصيرة، وما هنا يحتمل الوجهين الأخيرين.

عبربـ (إذا) لأن التذكير مما هو واقع محقق كالذي يسمع من القرآن في الصلاة ومن الخطب في الجمع.

وبنى الفعل للنائب لأن التذكير بالآيات يجب قبوله من أي مذكر كان.

و {صماً وعمياناً} حال من الواو ضمير الجماعة في {لم يخروا}، والنفي منصب على الحال التي هي قيد في الكلام.

وإذا كان الكلام مقيداً بقيد كما هنا، فإن النفي ينصب على ذلك القيد في غالب الاستعمال العربي. ونظيره: ما رأيت زيداً راكباً نفياً للركوب لا للرؤية. ولا يلقاني مسلماً نفياً للسلام لا للقاء.

فلم ينف عنهم الخرور، وإنما نفى عنهم الصمم والعمى عند الخرور.

[المعنى]

ومن صفات عباد الرحمن: أنهم إذا ذكرهم مذكر بآية ربهم التي أنزلها على نبيهم- صلى الله

<<  <   >  >>