للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم الصلاة والسلام، وأمر بكتابته. وقرأ حمزة: "الزُّبُور" جمع زُبُر، أي كتاب؛ فعينت هذه القراءة أن المراد بالزبور في القراءة الأولى الكتب المنزلة، لا خصوص زبور داود عليه السلام.

{الذكر} المراد به هنا اللوح المحفوظ، الذي كتب الله فيه كل شيء قبل أن يخلق الخلق. وجاءت تسميته بالذكر، فيما رواه البخاري في مواضع من صحيحه، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال:

قال رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض» (١).

ومما كتبه في الذكر ما أنزله على رسله عليهم الصلاة والسلام، كما قال تعالى:

{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: ٢١، ٢٢].

{الأرض} جنس الأرض الدنيوية، لأن هذا اللفظ موضوع لها، فإذا أطلق انصرف إليها، وبهذا فسرها ابن عباس من طريق علي بن [أبي]. (٢) طلحة وهي أصح طرقه (٣).

{يرثها} تنتقل إليهم من يد غيرهم، وأصل الإرث الانتقال من سالف إلى خالف، وقد يطلق في غير هذا الموضع على أصل التمليك مجازاً.

{الصالحون} الصالح من كل شيء هو ما استقام نظامه، فحصلت منفعته. وضده الفاسد، وهو ما اختل نظامه فبطلت منفعته، ويظهر هذا من تتبع مواقع الاستعمال:

فإذا قالوا: هذه آلة صالحة، عنوا أنها محصلة للمنفعة المرادة منهاة لانتظام أجزائها.

وإذا قالوا: آلة فاسدة، عنوا أنها لا تحصل المنفعة لاختلال في تركيبها. والصالح في لسان الشرع- قرآنًا وسنة- لم يخرج عن هذا المعنى حيثما جاء: فالصالح هو من استنار قلبه بالإيمان والعقائد الحقة، وزكت نفسه بالفضيلة والأخلاق الحميدة، واستقامت أعماله وطابت أقواله؛ فكان مصدر خير ونفع لنفسه وللناس: استقام نظامه في عقده وخلقه وقوله وعمله، فعظمت وزكت منفعته، وهذا هو معنى الصالحين حيثما جاء، كما في قوله تعالى: {وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} (٤)، وكما في حديث التشهد "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" (٥).


(١) رواه البخاري في بدء الخلق باب ١. والترمذي في تفسير سورة ٥ باب ٣، وسورة ١١ باب ٩. وأحمد في المسند (٤٣١/ ٤).
(٢) ما بين حاصرتين زيادة من تفسير الطبري. انظر الحاشية التالية.
(٣) انظر تفسير الطبري (٩٨/ ٩ - الأثر رقم ٢٤٨٧٦) وهو من طريق أبي صالح، عن معاوية، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٤) الآية ٦٩ من سورة النساء: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}
(٥) رواه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مالك في الموطأ (كتاب النداء، حديث ٥٤. ٥٥ أول كتاب=

<<  <   >  >>