للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا عقد البخاري- رحمه الله- في الجامع الصحيح أبوابًا في ظلم دون ظلم (١)، وكفر دون كفر.

[تطبيق]

لما كان المسلمون أهل الإيمان الصادق والشكر والأمانة، دافع الله عنهم، وقد شهد التاريخ بذلك من الله لهم فلما خانوا وكفروا تركهم ومَكَّنَ منهم.

ولكنه برحمته وعدله لم ينس لهم أصل إسلامهم، فأبقى لهم أصل وجودهم الذاتي، وهم لحم على وضم (٢) بين الأمم، لا يستطيعون دفعاً عن أنفسهم.

وأبقى لهم أصل وجودهم الروحي بكتابه المتلو بين ظهرانيهم، رغم إعراضهم عن تدبره وهجرهم لما فيه- عساهم يرجعون.

[تنبيه وتحذير]

كل عمل لا يحل فهو خيانة، وإن كان بأدنى إشارة، وقد نبه الله على هذا بقوله {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}، [غافر: ١٩]. وهي مسارقة النظر إلى ما لا يحل والإشارة بطرف العين فيما يحرم.

وأعظم الخيانة بعد الكفر خيانة العامة، لأن الذنب يعظم بعظم أثره وانتشار ضرره. ولهذا جاء ما جاء من الوعيد الشديد فيمن ولي أمراً من أمور المسلمين فغشهم ولم ينصح لهم.

فحق على المسلم أن يحذر من الخيانة دقيقها وجليلها، وخصوصاً ما اتصل بالناس منها، ويتنبه من أقل كلمة وأدنى إشارة توقعه في خطرها.

[سؤال وجوابه]

فإن قيل: قد نجد من عباد الله المؤمنين من يصيبه البلاء والشدة، فيعذب وقد يقتل: "وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ" (٣).

وقد أصاب المؤمنين يوم أحد ويوم حنين ما أصابهم؟

[فالجواب]

إن دفع الله يكون بأسباب وأنواع، وعلى وجوه تختلف بحسب الحكمة، ولا تخلو كلها من دفاع، فإن ما يصيب المؤمنين من البلاء في أفرادهم وجماعتهم هو ابتلاء يكسبهم القوة والجلد،


(١) صحيح البخاري (كتاب الإيمان، باب ٢٣ - ظلم دون ظلم) وأورد فيه حديثاً عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} قال أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أينا لم يظلم نفسه؛ فأنزل الله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
(٢) الوَضَمُ: كل ما يوضع عليه اللحم من خشب أو حصير أو نحو ذلك يوقى به من الأرض (المعجم الوسيط: [ص: ١٠٤]).
(٣) كذا جاء في الأصل المطبوع "قُتل". والصواب "قاتل" كما في الآية الكريمة: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ} [آل عمران: ١٤٦].

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما ذكره الإمام ابن باديس هي رواية ورش عن نافع، أما ما ذكره المعلق فرواية حفص عن عاصم

<<  <   >  >>