للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أوتي القرآن فقد طوي الوحي بين جنبيه، وأتي الخير الكثير، فهو لذلك مرمى أعين الحاسدين، ومهوى أفئدة الكائدين؛ فكان حقيقاً، وقد ختم القرآن حفظاً أو مدارسة أو تلاوة، أن يلتجىء إلى الله طالباً منه الحفظ والتحصين من شر كل كيد وحسد يصيبه على هذا الخير العظيم، الذي كمل له هذه النعمة الشاملة التي تمت عليه.

هذه حكمة.

ب- والأخرى: هي أن من أوتي القرآن وتفقه فيه، فقد أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وأحاط بالعلم من أطرافه، وملك كنزه الذي لا ينفد.

وأن من آفات العلم اغترار صاحبه به، وقد يتمادى به الغرور حتى يسول له أن ما أوتيه من العلم كافٍ في وقايته من الأضرار، ونجاته من الأشرار، فكان من رحمة الله بصاحب القرآن، ولطف تأديبه له، وحسن عنايته به، أن ختم بهاتين السورتين كتابه؛ لتكونا آخر ما يستوقف القارىء المتفقه، وينبهه إلى أن في العلم والحكمة مسألة لم يتعلمها إلى الآن، وهي: أنه مهما امتد في العلم باعه، واشتد بالحكمة اطلاعه: فإنه لا يستغني عن الله، ولا بد له من الالتجاء إليه، والاعتصام به، يستدفع به شر الأشرار، وحسد الحاسد. وكفى بهذه التربية قامعاً للغرور، وإنه لشر الشرور.

هذه هي المناسبة العامة بين جميع القرآن مرتباً ترتيبه التوقيفي، وبين هاتين السورتين في اتحاد موضعهما.

وأما المناسبة الخاصة بين السورتن وبين سورة الاخلاص، فهي:

أن سورة الإخلاص قد عرفت الخلق بخالقهم بما فيها من التوحيد والتنزيه والتمجيد؛ فإذا قرأت القرآن وتدبرته على ترتيبه، ووجدت توحيد الله منبثاً في آياته وسوره، متجلياً ذلك التجلي الباهر بما عرضه وصوره، ساداً ببراهينه على النفوس كل ثنية وكل مطلع- كانت آخر مرحلة يقطعها فكرك من مراحل التوحيد في القرآن، هذه السورة المعجزة على قصرها، فكأنها توكيد لما امتلأت به نفسك من معاني التوحيد، وكأنها وصية مودع مشفق بمهم يخشى عليك نسيانه؛ فيعمد فيها من الكلام إلى ما قل ودل ولم يمل.

ومن صدقك في توحيدك لله في ربوبيته وإلهيته أن تنقطع عن هذا الكون وتكون منه وكأنك لست منه بصدق معاملتك لله، وإخلاص توحيدك إياه، فأنت وقد آمنت وصدقت، وخرجت من سورة الإخلاص متشبعا بمعانيها، ومنها معنى الصمد- تستشعر أن العالم كله عجز وقصور، وأن خيراته مكدرة بالشرور، وأن لا ملجأ إلاّ ذلك الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فتجيء المعوذتان بعد الإخلاص مبينتين لذلك الإلتجاء الذي هو من تمام التوحيد. ولأجل هذه المناسبة والارتباط بين السور الثلاثة جمع بينهن في التسمية:

<<  <   >  >>