للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأولى: معاملته لذوي القربى واليتامى والمساكين عند السؤال وعدمه. وعرف من الآية أنه مطالب بحسن المقال بدلاً مما عجز عنه من النوال.

والثانية: أدبه هو في نفسه والحالة التي ينبغي له أن يكون عليها: فإن حالة العسر حالة شدة وبلاء يحتاج المكلف أشد الحاجة أن يعرف دواءه فيها لسيرته العملية، وحالته النفسية، فأعطته هذه الآية الكريمة الدواء لها.

فأما في سيرته العملية فعليه أن يكون ساعياً في الأسباب حسب جهده، وذلك هو ما يفيده قوله: {ابتغاء رحمة من ربك}.

وأن يكون مطمئن القلب بالله، معتمداً عليه، قوي الثقة فيه؛ وذلك ما يفيده قوله:

{ترجوها}.

وقد ذكر رحمة الرب- جل جلاله- لوجوه:

الأول: تقوية رجائه، فإنه يعلم سعة رحمة الله وغمره بها في كل حين. ومن ذا الذي لم يجد نفحات الرحمات في أكثر الأوقات في أحرج الساعات؟

الثاني: بعثه على الصبر والتسليم وعدم الضجر والسأم من الطلب والانتظار، فإنها رحمة الرب، ومن مقتضى ربوبيته تدبيره للخلق بحكمته.

فما جاء منه، كيف جاء وفي أي وقت جاء: أبطأ أم تأخر هو مقبول منه محمود منا عليه.

الثالث: بعث عاطفة الرحمة على غيره، فإن من كان يرجو رحمة ربه جدير بأن يكون رحيماً بعباده. ورحمته بعباد الله تعينه على القيام بما أمر به من حسن المقال عند العسر، وجميل النوال عند اليسر؛ وتكون سبباً له في رحمة الله إياه. والراحمون يرحمهم الرحمن، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.

[العدل في الإنفاق]

{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}.

لما أمرنا الله تعالى بالانفاق، علمنا كيف ننفق، وبين لنا أدب الإنفاق في هذه الكلمات.

إذ شبهت حالة وهيئة البخيل الذي لا يكاد يرشح بشيء، ولا يقدر لبخله على إخراج شيء من ماله .. بحاله وهيئة الذي جعل يده مغلولة مجموعة بغل إلى عنقه: فذاك لا تتوجه نفسه للبذل، ولا تمتد يده للعطاء، وهذا لا تمتد يده للتصرف. ونقل الكلام المركب الدال على المشبه به، فاستعمل في المشبه على طريق الاستعارة التمثيلية لتقبيح حالة البخيل.

والمعنى:

لا تبخل بالنفقة في حقوق الله، ولا تمسك إمساك المغلولة يده الذي لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء.

<<  <   >  >>