للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَال تعالى: (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) (١).

العجلة: التقدم بالشيء قبل وقته وهي مذمومة. والسرعة: عمل الشيء أول وقته وهي محمودة. قال الزمخشري وأبو حيان والآلوسي: يقال.

عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ونقيضه تم عليه، ويضمّن معنى (سبق) فيعدى تعديته فيقال: عجلت الأمر. والمعنى أعجلتم عن أمر ربكم.

قال أبو السعود: أعجلتم أمر ربكم أي تركتموه غير تام على تضمين عجل معنى سبق. يقال: عجل عن الأمر إذا تركه غير تام أو أعجلتم وعد ربكم الذي وعدنيه من الأربعين وقدرتم مدتي وغيَّرتم بعدي كما غيَّرت الأمم بعد أنبيائها.

أقول: يعود موسى عليه السلام من مناجاته لربه لا يدري ما أحدث قومه من بعده ومعه ألواح التوراة. وحين علم بجلية الأمر غضب أشد الغضب وبدا ذلك في قوله وفعله: (بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي) أسبقتم تعاليمه فعبدتم العجل قبل مجيء أوامره؟! أتعجلتم انتظار أمره وموعده وميقاته الذي وعدنيه أربعين ليلة ففعلتم ما فعلتم؟ وهكذا يكشف التضمين وفي نبرة من غضب موسى عليه السلام عن استباق قومه للأحداث وعدم انتظارهم في حفظ عهده وما وصاهم به. ولو كانت الآية - أعجلتم عن أمر ربكم - لانصرف إلى الاستعجال فقط دون الانتكاس الذي وقعوا فيه، وغضب له موسى أشد الغضب، لقد كانت النقلة بعيدة والمفاجأة قاسية أفقدته السيطرة على أعصابه فألقى الألواح وفيها كلام ربه ... تركهم على الهدى ليعود وهم يعبدون العجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>