للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأحكام الشرعية للأعمال الطبية]

المؤلف/ المشرف:أحمد شرف الدين

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:بدون ̈بدون

سنة الطبع:١٤٠٢هـ

تصنيف رئيس:فقه

تصنيف فرعي:أحكام طبية

الخاتمة: (١٠٣) لقد كان للاكتشافات العلمية في مجال الطب والجراحة وقع القنابل في عالم تسوده المبادئ التقليدية التي ترى أن حرمة النفس والجسم والجثة وهذه أحد الأركان الأساسية للنظام الشرعي والقانوني السائد.

هذه الاكتشافات، التي لو تركت دون ضابط فإنها ستؤدي إلى تغير الأعراف والأفكار بل والأخلاق، يجب أن يتسلح الفقهاء لمواجهتها بحكمها الشرعي حتى لا تتعدى حدودها فتصطدم سنة الله {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}. كذلك فإن الفقه مطالب بالبحث عن أحكام مستحدثات الطب في الشريعة حتى لا نكون تابعين في هذه الأحكام.

وإذا كان يطلب من الفقه والقانون أن يراعيا الإمكانيات الحديثة للطب والبيولوجبا في وضع أحكامهما، فإن ذلك مقيد بعدم التعارض مع كليات الشريعة وبقدر ما تحفظه هذه الإمكانيات من مصالح جديرة بالرعاية، وإلا فإن للاكتشافات الحديثة للعلوم البيولوجية والطبية استعمالات لا فائدة منها بل إنها قد تكون مضرة.

إن قواعد الشريعة، على سعتها وترحيبها بكل تقدم علمي لمصلحة البشرية، لا يمكن أن ترضخ للإمكانيات الحديثة للعلوم لأن الشرع يحيط بعلمه وبأحكامه كل شيء، حين أن العلم لا يمكن أن يتسع لإدراك عواقب اكتشافاته {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}. وإزاء طرقات العلم، المفيدة منها والضارة، على أبواب الفقه والقانون، فإن الفقه يجد نفسه أمام طريقين متقابلين:

الأول: طريق اليقين طريق الله الخالق العالم بمن خلقه.

والثاني: طريق العلم والتجارب وهو طريق لا يتسم بالثبات أو باليقين.

وليس معنى اختيار الفقيه للطريق الأول أنه يرفض سلوك الطريق الثاني ولكن معناه أنه لا يأخذ من العلم إلا ما يحفظ مصالح راجحة في الشرع، فحيث توجد المصلحة فثم شرع الله.

إنما يجب على الفقيه، وهو بصدد بيان الحدود الشرعية لمكتسبات العلوم، ألا يقيد نفسه باجتهادات فقهية تقليدية صدرت في عصر لم يكن يعي بعد الكنوز التي اكتشفها العقل البشري في العصر الحديث. وإذا كان لكل حدث جديد فقه جديد يستند إلى أصول الشريعة ذاتها الواردة في القرآن والسنة، فإن الأحكام الفقهية التي هي مجرد اجتهادات وتفسيرات لما أجمل القرآن والسنة، يمكن أن تتغير بتغير الزمان، ولا يبقى ثابتاً إلا أصول الشريعة الواردة في القرآن والسنة.

لذلك فإن المعيار، الذي استندنا إليه في البحث عن الحكم الشرعي للإنجازات الطبيعة الحديثة، هو مدى اتفاق هذه الإنجازات مع كليات وأصول الشريعة، بينما اقتصر دور الفروع والاجتهادات الفقهية على تحديد الإطار الشرعي الذي يجب أن تبحث فيه المسألة.

(١٠٤) وبعد فإنه إذا كان لبحثنا هذا من فضل فإنه يتجسد في اعتقادنا، من ناحية في الطريقة التي جمعنا بها القواعد الفقهية المبعثرة، والتي يصعب على الباحث العثور عليها في أمهات كتب الفقه الإسلامي لوجودها في غير مظانها، ومن ناحية أخرى في الكيفية التي طبقنا بها هذه القواعد، بعد تقسيمها تقسيماً منهجياً، على بعض الأعمال الحديثة للطب والجراحة، ليكون البحث بذلك، في مجموعه وعلى ما نرجو، نبراساً يهتدي به في الحكم على كل ما هو مستحدث من أعمال في المجال الطبي والجراحي.

ولهذه الاعتبارات، ولكي يكون لبحثنا هذا فائدة علمية فوق قيمته العلمية المتواضعة، فإننا نثبت فيما يلي ملحقاً يتضمن اقتراحا بالقواعد التي تنظم بعض صور الاستخدامات الطبية الحديثة لجسم الإنسان وجثته.

ونتبعه بملحق آخر يتضمن أهم الفتاوى الصادرة في بعض الموضوعات التي عالجناها.

ولقد رأينا أنه من المفيد أن نخصص ملحقاً مستقلاً ليتضمن من ناحية التشريع الكويتي في شأن عمليات زراعة الكلى، وهو من أحدث التشريعات المتعلقة بهذا الموضوع، ومن ناحية أخرى الفتوى، التي أوردتها مذكرته الإيضاحية، والتي استصدرتها وزارة الصحة العامة من لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، لندرك بصفة ملموسة إلى أي مدى يعتبر المشرع الوضعي، في بلد إسلامي، نفسه ملزماً بالتقيد بالقواعد الشرعية المتعلقة بالتصرف في الحق في سلامة الحياة والجسد الذي هو أصلاً من موضوعات القانون المدني.

<<  <  ج: ص:  >  >>