للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي]

المؤلف/ المشرف:مصطفى ديب البغا

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:دار القلم - دمشق ̈الثانية

سنة الطبع:١٤١٣هـ

تصنيف رئيس:أصول فقه

تصنيف فرعي:اختلاف فقهاء - أصول فقه

إن الله سبحانه وتعالى أرسل نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليكون للعالمين نذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنزل عليه الكتاب بالحق ليبين للناس ما نُزِّل إليهم ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً، وجعل شريعته خاتمة الشرائع إلى يوم الدين، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم -

{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} [الأحزاب:٤٠]. فكان الناس ـ على اختلاف أجناسهم وألوانهم، وتباعد أقطارهم وتباين لهجاتهم ـ مكلفين باتباع هديه والتزام طريقه: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً} [سبأ: ٢٨]. وكان - صلى الله عليه وسلم - المنقذ للإنسانية من غيابات الجهل ومن وهدة الضلال والعمى إلى العلم والمعرفة والإيمان والهدى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: ١٠٧].

وكانت هذه الشريعة جامعة مانعة مهيمنة على الشرائع كلها، لا تحتاج إلى زيادة ولا تعديل: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [المائدة: ٣].

كما كانت هذه الشريعة متضمنة لكل خير، منزهة عن كل شر، ليس فيها إلا ما يصلح أمور العباد في داري المعاش والمعاد، لأنها شريعة الخالق إلى المخلوق، فهي طريق العابد إلى المعبود: {وإنه لكتاب عزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت:٤١، ٤٢].

ولقد حفظ الله سبحانه هذه الشريعة من أن تنالها أيدي التغيير والتبديل، أو تعبث بها أهواء الزائغين والمضللين بالتحريف والتأويل، أو يطمع ذو مرض أو هوس أن يطمس معالمها ويستأصل شأفتها: ?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [الحجر: ٩].

كما جعل الله تعالى هذه الشريعة هي منهاج الحياة، وأوجب على الإنسانية جمعاء أن تسير على وفقه في شتى مرافق حياتها، حتى تضمن السعادة الخالدة، فتحقق الحياة الفضلى في دنياها، وتكفل النعيم والنجاة في أخراها: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءاً غدقاً} [الجن: ١٦].

وكان في اتباع هذه الشريعة الهداية والنور: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} [طه: ١٢٣]. وكان في الإعراض عنها التعاسة والشقاء والبؤس والفناء: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه:١٢٤].

ولهذه المعاني كلها ـ وغيرها مثلها كثيرـ اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، تكفل للناس الحياة المثلى، مهما تباعدت بهم الديار، واختلفت فيهم الأقاليم ومضت فيهم الأجيال، فترعى مصالحهم في كل حين وآن بما يجلب لهم النفع ويدفع عنهم الضر والفساد، وتضفي عليهم اليسر، وترفع عنهم الحرج والعسر في كل شأن من شؤونهم وحال من أحوالهم: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: ١٨٥]. {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: ٧٨].

وهذا من شأنه أن تكون هذه الشريعة ـ بأحكامها وتشريعاتها، وقواعدها وتقنيناتها، وأصولها وفروعها ـ مرنة مرونة الحياة، ومتسعة اتساع الكون، ليتمكن الناس من العمل بها، والسير على هديها والالتزام بحكمها، وهي شريعة الله المنزلة وآياته المحكمة وقرآنه المعجز، لا تداخلها الجاهليات المختلفة في حكم من أحكامها أو شأن من شؤونها: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} [يونس: ٣٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>