للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيع الكالئ بالكالئ (بيع الدين بالدين)]

المؤلف/ المشرف:نزيه كمال حماد

المحقق/ المترجم:بدون

الناشر:جامعة الملك عبدالعزيز - جدة ̈بدون

سنة الطبع:بدون

تصنيف رئيس:فقه

تصنيف فرعي:عقود مالية - بيوع منهي عنها

الخاتمة

١ - لقد اتضح لنا من خلال هذه الراسة أن النهي عن بيع الكالئ بالكالئ قاعدة متفق عليها بين الفقهاء، وأن مقتضاه التحريم والفساد، وقد دل على ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه في حديث ضعيف السند في نظر علماء الحديث، غير أن تلقي الأمة له بالقبول رفعه إلى رتبة الحجية ووجوب العمل به، يضاف إلى ذلك إجماع الفقهاء على منع هذا البيع.

٢ - كما تبين لنا أن معنى بيع الكالئ عند أئمة اللغة والفقهاء: بيع النسيئة بالنسيئة، أو الدين المؤخر بالدين المؤخر. وأنه يطلق عند الفقهاء على خمس صور:

٣ - إحداها: بيع دين مؤخر لم يكن ثابتا في الذمة بدين مؤخر كذلك. وقد قصر ابن تيمية محل النهي والإجماع عليه، وسماه المالكية "ابتداء الدين بالدين". أما تعليل حظره فهو من خمسة وجوه: (أحدها): انتفاء الفائدة الشرعية منه فور صدوره. (والثاني): أنه ذريعة إلى ربا النسيئة. (والثالث): افضاؤه للخصومه والنزاع. (والرابع): افضاؤه إلى تعاظم الغرر في العقد. (والخامس): بلوغ الخطر فيه حد الغرر الممنوع شرعاً.

٤ - والثانية: بيع دين مؤخر سابق التقرر في الذمة للمدين بما يصير دينا مؤجلاً من غير جنسه، وقد ذكر التقي السبكي أنه محل الإجماع على ما نهي عنه من بيع الكالئ بالكالئ، وسماه المالكية "فسخ الدين في الدين". أما علة منعه فهي أنه ذريعة إلى ربا النسيئة.

٥ - والثالثة: بيع دين مؤخر سابق التقرر في الذمة للمدين إلى أجل آخر بزيادة عليه. وقد أدرجه المالكية تحت "فسخ الدين في الدين" والعلة في منعه تضمنه لربا النسيئة.

٦ - والرابعة: بيع دين مؤخر سابق التقرر في الذمة لغير المدين بثمن موصوف في الذمة مؤجل. وقد حكاها مالك في الموطأ، وسماها المالكية "بيع الدين بالدين". وعلة النهي عنها الغرر الناشيء عن عدم قدرة البائع على تسليم الدين للمشتري.

٧ - والخامسة: بيع دين مؤخر سابق التقرير في الذمة بدين مماثل لشخص آخر على نفس المدين. وعلة منعه هي الغرر الناشئ عن عدم قدرة كل من العاقدين على تسليم ما باعه للمشتري.

٨ - وبعد التتبع والاستقصاء لمعنى بيع الكالئ بالكالئ لدى أئمة اللغة والفقهاء ونقلة الحديث وشراحه خلصنا إلى وضع ضابط ينتظم سائر صوره وحالاته، ويحدد مدلوله، وهو أنه "بيع دين مؤخر سابق التقرر في الذمة بدين مثله لشخص ثالث على نفس المدين – سواء اتحد أجل الدينين وجنسهما وقدرهما أو اختلف – أو بدين جديد مؤجل إلى أجل آخر – من غير جنسه أو من جنسه مع زيادة في القدر – للمدين نفسه أو لغيره – وكذا بيع دين مؤخر لم يكن ثابتاً في الذمة بدين مؤخر كذلك، سواء اتفق أجل الدينين وجنسهما وقدرهما أو اختلف".

٩ - ثم بينا أن تسامح كثير من الفقهاء في تعريفه بأنه "بيع الدين بالدين" – مع أن قصدهم الدين المؤخر بالدين المؤخر – أوقع كثيراً من الفقهاء في لبس وخلط، فمنعوا من جواز صور يصدق عليها بيع الدين بالدين، ولكن ليس فيه نسيئة من الطرفين، والنهي إنما ورد عن بيع النسيئة باتفاق الفقهاء.

١٠ - ومن ذلك: نص الشافعية والحنابلة على عدم جواز تطارح الدينين – أو صرف ما في الذمة – بحجة أنه بيع دين بدين. ولا يخفى أنه رأي غير سديد، لانتفاء النسيئة بالنسيئة فيه.

١١ - ومن ذلك أيضا: قول مالك والحنفية والشافعية والحنابلة وغيرهم بعدم جواز جعل مطلق الدين الذين على المسلم إليه رأس مال سلم، لافضائه إلى بيع الدين بالدين. وهو إطلاق غير وجيه، لعدم صدق محل النهي – وهو الدين المؤخر بالدين المؤخر – عليه فيما إذا كان الدين المجعول رأس مال سلم غير مؤجل في ذمة المدين.

١٢ - ومن ذلك أيضا: قول الشافعية في الأصح وأكثر المالكية أن حكم الحوالة في الأصل هو الحظر، لأنها بيع دين بدين، وإنما جازت استثناء للحاجة. وهو تخريج فقهي غير مسلم، لأنها ليست من قبيل بيع النسيئة بالنسيئة حتى يكون الأصل فيها المنع، بل هي من جنس إيفاء الحق، فافترقا ...

١٣ - ثم تناولنا مدى الحاجة في هذا العصر إلى بيع الكالئ بالكالئ، فبدا لنا قيام الحاجة الخاصة إليه – بالنسبة لطائفة التجار والصناعيين والمقاولين – في صورته الأولى فقط، وهي "ابتداء الدين بالدين" دون باقي صوره الأخرى.

ولما كانت الحاجة الخاصة تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظور، فإنه لا يكون هناك مانع شرعي من القول باباحته في تلك الصورة فقط لهذا الداعي مادام قائما بمعياره الشرعي، فإذا انتفى عاد الحكم الأصلي للعقد، وهو الحرمة والمنع.

وآخر دعوانا الحمد لله

رب العالمين

<<  <  ج: ص:  >  >>