للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: السكاكي: قد يكون في كل واحد من الأمرين صفة تقتضي التقديم لكن يكون أحدهما أهم في مكان فيقدم، وإن أخر في غيره؛ لكون قرينة أخص منه في ذلك، فمنه قوله تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)، فتقديم " الأموال " من باب تقديم السبب فإنه إنما يشرع في النكاح عند قدرته على مؤنته فهو سبب إلى التزويج، والنكاح سبب إلى التناسل؛ ولأن المال سبب للتنعم بالولد، وفقده سبب، للشقاء به، وكذلك تقديم النساء على البنين في قوله: (حب الشهوات من النساء والبنين) إلى آخر الآية. إنما أخر ذكر " الذهب " و " الفضة " عن " النساء " و " البنين "؛ لأنهما أقوى في الشهوة الجبلية من المال فإن الطبع يحث على بذل المال لتحصيل النكاح، والولد. قال الشاعر:

لولا بُنيَّات كزغب القطا ... رددن من بعض إلى بعض

لكان لي مضطرب واسع ... في الأرض ذات الطول والعرض

وإنما أولادنا بنينا ... أكبادنا تمشي على الأرض

والنساء أقعد من الأولاد في الشهوة الجبلية، والبنون أقعد من الأموال، والذهب أقعد من الفضة، والفضة أقعد من الأنعام، أو وسيلة إلى تحصيلها، فلما صُدِّرت الآية بالأهم، وكان المحبوب مختلف المراتب، اقتضت حكمة الترتيب أن يقدم ما هو الأهم فالأهم، انتهى.

<<  <   >  >>