للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقول ابن قتيبة: " وهذا رجل مؤمن بالله، مقر به، خائف له، إلا أنه جهل صفة من صفاته، فظن أنه إذا أحرق وذري في الريح أنه يفوت الله تعالى، فغفر الله تعالى له بمعرفته ما بنيته، وبمخافته من عذابه جهلَه بهذه الصفة من صفاته". (١)

قال ابن حجر: " قال الخطابي: قد يستشكل هذا، فيقال: كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟ والجواب أنّه لم ينكر البعث، وإنّما جهل فظنّ أنّه إذا فُعِل به ذلك لا يعاد فلا يعذّب , وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنّه إنّما فعل ذلك من خشية الله ". (٢)

يقول ابن تيمية: " فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذُري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك". (٣)

ويقول أيضاً: "فهذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو شك، وأنه لا يبعثه، وكل هذين الاعتقادين كفر، يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته". (٤)

وقد استنتج العلماء من فقه هذه القصة أن من " أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد، من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح، لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل، فيغفر الله خطأه، أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص عُلِم إيمانه بمجرد الغلط في ذلك، فعظيم". (٥)

وهذه الرحمة من الله ليست خاصة بذلك الرجل، بل "كثير من المؤمنين


(١) تأويل مختلف الحديث (١١٩).
(٢) فتح الباري (٦/ ٥٢٣).
(٣) مجموع الفتاوى (٣/ ٢٣١).
(٤) المصدر السابق (٣/ ٢٣١).
(٥) الاستقامة (١٦٥).

<<  <   >  >>