للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل، وإن خطأه وضلله، ورآه استحل فيه ما حرم عليه، ولا رد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله، وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول". (١)

ويقول شيخ الإسلام: " فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن والإيمان مثلاً، أو لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهى عنها، أو لاتباع هواه بغير هدى من الله، فهو الظالم لنفسه، وهو من أهل الوعيد، بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطناً وظاهراً الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره الله ورسوله، فهذا مغفور له خطأُه". (٢)

ومثل هذا المجتهد لا يحكم عليه بالكفر إلا بعد قيام الحجة الرسالية، فإن أصر بعد بيانها فهو معاند كافر، وأما قبل ذلك فلا، يقول ابن تيمية: " وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقصد الحق، فأخطأ: لم يكفر، بل يغفر له خطؤه.

ومن تبين له ما جاء به الرسول، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتبع غير سبيل المؤمنين: فهو كافر.

ومن اتبع هواه، وقصر في طلب الحق، وتكلم بلا علم: فهو عاص مذنب، ثم قد يكون فاسقاً، وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته، فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص". (٣)

ولما عدّد شيخ الإسلام الأعذار التي تمنع إطلاق الكفر على من وقع في المكفرات، فذكر بينها الشبهة، وهي صورة قريبة من التأويل، إذ بسبب الشبهة التي تنقدح في ذهنه يصرف المسلم النصوص عن معانيها الصحيحة إلى معانٍ غير مرادة شرعاً: " الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطؤه كائناً ما


(١) الأم (٦/ ٢٠٥).
(٢) مجموع الفتاوى (٣/ ٣١٧).
(٣) المصدر السابق (١٢/ ١٨٠).

<<  <   >  >>