للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحجة التي يتحدث عنها العلماء ليست دعوى يدعي إقامتها كل أحد، بل هي منوطة بالعلماء، كما قال الحافظ العراقي تعليقاً على تكفير من غلط في حديث، فبُين له فلم يرجع، فقال: "قيد ذلك بعض المتأخرين بأن يكون الذي بيَّن له غلطه عالماً عند المبيَن له، أما إذا لم يكن عنده بهذه المثابة فلا حرج إذاً".

وأضاف أحمد شاكر: "وهذا القيد صحيح، لأن الراوي لا يُلزم بالرجوع عن روايته إن لم يثق بأن من زعم أنه أخطأ فيها أعرف منه بهذه الرواية التي يخطِّئه فيها، وهذا واضح". (١)

وقال ابن سحمان: "الذي يظهر لي - والله أعلم - أنها لا تقوم الحجة إلا بمن يحسن إقامتها، وأما من لا يحسن إقامتها كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه ولا ما ذكره العلماء في ذلك، فإنه لا تقوم به الحجة". (٢)

كما يجدر التنبيه هنا إلى أن قيام الحجة أمر نسبي، يختلف باختلاف فهوم الناس، قال ابن القيم: " إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب، ولم يحضر ترجمان يترجم له". (٣)

وقد عذر العلماء أتباع الفرق المنحرفة بسبب التأويل الخاطئ، فلم يكفروهم، وإن ضللوهم وخطؤوهم، لكن لا سبيل إلى تكفير المتأول المخطئ، الذي قصد الحق فأخطأه لشبهة أو دليل معارض، وهذا هو مذهب أئمة الإسلام وفحول العلم، يقول شيخ الإسلام في سياق عرضه لما حكاه البعض عن الإمام أحمد من تكفيره أهل البدع: " وليس هذا مذهب أحمد ولا غيره من أئمة الإسلام، بل لا يختلف قوله: أنه لا يكفر المرجئة الذين يقولون:


(١) انظر: تحقيق أحمد شاكر للباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث (١٠٣).
(٢) منهاج الحق والاتباع (٦٨).
(٣) طريق الهجرتين (٤١٤).

<<  <   >  >>