للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومثل هذا الأدب صنعه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قسم قسماً فقال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، يقول ابن مسعود: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه، ثم قال: ((يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا، فصبر)). (١)

ومن حسن المعاملة الإعراض ما أمكن عن المنازعة وأسبابها، ولو بالإعراض عن الإجابة، روى ابن مردويه وابن أبى حاتم بسندهما عن ابن عباس أن قريشاً دعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يعطوه مالاً، فيكون أغنى رجل فيهم، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطأون عقبه أي يسودوه.

فقالوا: هذا لك عندنا يا محمد، وكفَّ عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، وهي لك ولنا فيها صلاح، قال: ((ما هي؟)) قالوا تعبد آلهتنا سنة اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة.

قال: ((حتى أنظر ما يأتيني من ربي)) فجاءه الوحي من الله من اللوح المحفوظ: {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون: ١] إلى آخرها ". (٢)

وقوله في هذا الحديث: ((حتى أنظر ما يأتيني من ربي)) نوع من التلطف في الخروج من الموضوع.

قال ابن تيمية: "قد يقول هذا من يقصد به دفع الظالمين بالتي هي أحسن، ليجعل حجته أن الذي عليه طاعته قد منع من ذلك، فيؤخر الجواب حتى يستأمره، وإن كان هو يعلم أن هذا القول الذي قالوه لا سبيل إليه، وقد تخطب إلى الرجل ابنته فيقول: حتى أشاور أمها، وهو يريد أن لا يزوجها بذلك، ويعلم أن أمها لا تشير به، وكذلك قد يقول النائب: حتى أشاور السلطان ". (٣) فالإعراض عن الجواب نوع من التلطف وأدب من آداب الدعوة والحوار.


(١) رواه البخاري ح (٣٤٠٥)، ومسلم ح (١٠٦٢).
(٢) انظره: الدر المنثور (٧/ ٢٤٥).
(٣) مجموع الفتاوى (١٦/ ٤٥٥).

<<  <   >  >>