للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي شرح الحديث ينقل ابن حجر عن القرطبي قوله: "في الحديث .. جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى ... والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معًا , وهي مباحة, وربما استحبت , والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا , والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته ومع ذلك فلم يمدحه بقولٍ، فلم يناقض قوله فيه فعله , فإن قوله فيه قول حق , وفعله معه حسن عشرة ... ".

وعقّب ابن حجر بقوله: " وهذا الحديث أصل في المداراة ". (١)

ومن المداراة مناداة المحاورين غير المسلمين بما يليق بهم من ألقاب يستحقونها، وتحيتهم تحية مناسبة، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم)). (٢)

قال ابن حجر: "قوله: ((عظيم الروم)) فيه عدول عن ذكره بالملك أو الإمرة, لأنه معزول بحكم الإسلام , لكنه لم يخله من إكرام لمصلحة التألف .. ". (٣)

قال النووي: " ولم يقل: إلى هرقل فقط , بل أتى بنوع من الملاطفة فقال: ((عظيم الروم)) , أي الذي يعظمونه ويقدمونه , وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام، فقال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (النحل: ١٢٥)، وقال تعالى: {فقولا له قولاً ليناً} (طه: ٤٤) وغير ذلك". (٤)

وأيضاً من المداراة للآخرين الفعل الحسن، كعيادة مريضهم، وإكرام وفدهم، تأسياً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في صنيعه مع عدي بن حاتم الطائي وعكرمة بن أبي جهل قبل إسلامهما.

قال عدي بن حاتم: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد، فقال


(١) فتح الباري (١٠/ ٤٥٤).
(٢) رواه البخاري ح (٧)، ومسلم ح (١٧٧٣).
(٣) فتح الباري (١/ ٣٨).
(٤) شرح النووي على صحيح مسلم (١٢/ ١٠٨).

<<  <   >  >>