للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويشاركنا شارل جنيبر الرأي في ضعف هذه التبريرات، ويقرر أن بولس هو الذي قرر تجسد الإله، ويوضح الأسباب التي دعته لذلك، لقد ابتكر عقيدة التجسد بعد أن أدرك " أن الأتباع الجدد من المشركين لم يكونوا ليتقبلوا كل القبول فضيحة الصلب، وأنه يجب تفسير ميتة عيسى المشينة - والتي لم يكف الأعداء بطبيعة الحال عن الرجوع إليها - تفسيراً مرضياً، يجعل منها واقعة ذات مغزى ديني عميق.

وأعمل الحواري (بولس) فكره في هذه المشكلة ... ووضع حلاً كان له صدى بالغ المدى قد تجاهل فكرة عيسى الناصري التي أغرم بها الاثنا عشر، ولم يتجه إلا إلى عيسى المصلوب، فتصوره شخصية إلهية تسبق العالم نفسه في الوجود، وتمثل نوعاً من التشخيص ... وقد عثر الحواري على العناصر الجوهرية في الأسرار، عثر عليها في غالب الظن دون أن يبحث عنها ... " (١).

لكن حرجاً آخر واجهه بولس وهو يضع لمساته النهائية على الإله المتجسد المصلوب، وهو كيف يقول بنهاية حياة المسيح على الصليب، والتوراة تنص على لعن كل مصلوب. (انظر التثنية ٢١/ ٢٣)، فهذا يزري بالمسيح ويجعله ملعوناً حسب شرائع اليهود.

لحل هذه القاصمة، رأى بولس أن يجعل من الملعون مثلاً أعلى في التضحية، وأن يجعل منه إلهاً نزل وتجسد ليفدي البشرية من خطاياها، فصار لعنة ليفتديهم من لعنة الناموس، وكما قال بولس: "ولكن الله من محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا، فبالأولى كثيراً ونحن متبررون الآن بدمه، نخلص به من الغضب، إنه وإن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه .. " (رومية ٥/ ٨ - ١٠)، لقد صار لعنة


(١) انظر: المسيحية، نشأتها وتطورها، ص (١٣٤).

<<  <   >  >>