للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن هذه الطريقة السطحية في الفهم سقيمة كلاء، وتعرضنا لعدد من الصعوبات المشينة التي ترقى لاعتبارها تجديفاً صارخاً على الله وإساءة إلى مقام الألوهية المنزه عن النقائص والمعايب البشرية، فلئن كان رؤية اليهود للمسيح تعتبر رؤية للآب؛ فإنه - بالضرورة - يعتبر صفع اليهود للمسيح وبصقهم عليه (انظر متى ٢٧/ ٣٠) صفعاً وبصقاً على الآب خالق السماوات والأرض.

وكذلك فإن جهل المسيح بموعد الساعة (انظر مرقس ١٣/ ٣٢ - ٣٣) يعتبر جهلاً للآب، وكذلك فإن تناول المسيح الطعام والشراب (انظر لوقا ٢٤/ ٤٢ - ٤٣) يكون - وفق هذا المنطق السطحي - طعاماً وشراباً لله الآب، وأما موت المسيح المزعوم على الصليب، فهو وفق هذه الطريقة في الاستدلال موت للآب، فكما أن من رأى المسيح؛ رأى الآب، فإن من قتل المسيح؛ قتل الآب، فهل الله العظيم خالق السماوات والأرض يموت أو يأكل ويشرب ويخرج فضلات هذا الطعام والشراب، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

وهذا القول الشنيع يتطابق مع بدعة المودالية أو الشكلية، لذا يقول الدكتور واين جردوم أستاذ علم اللاهوت في تفسير هذا النص: "الآية الأخيرة (يوحنا ١٤/ ٩) تعني ببساطة أن يسوع يكشف طبيعة الله الآب بشكل كامل" (١).

ولفهم النص الفهم الصحيح نعود إلى سياقه، فالسياق من أوله يخبر أن المسيح - عليه السلام - قال لتلاميذه: "أنا أمضي لأعد لكم مكاناً، وإن مضيت وأعددتُ لكم مكاناً؛ آتي أيضاً وآخذكم " وقصده بالمكان الملكوت.

فلم يفهم عليه توما قوله، وقال: " يا سيد لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطريق"، لقد فهم - خطأً- أن المسيح يتحدث عن طريق حقيقي وعن رحلة حقيقية، فقال له المسيح مصححاً ومبيناً أن الرحلة معنوية وليست حقيقية مكانية: "أنا هو الطريق والحق والحياة " (يوحنا١٤/ ١ - ٦)، أي أن اتباع شرعه ودينه هو وحده الموصل إلى رضوان الله وجنته.


(١) كيف يفكر الإنجيليون في أساسيات الإيمان المسيحي، واين جردوم، ص (٢٠٢).

<<  <   >  >>