للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تعلق بها القائلون بألوهيته، يقول البابا أثناسيوس: "من ذا الذي يرى جسداً يأتي من عذراء وحدها بدون رجل، ولا يدرك أن من ظهر في الجسد لابد أن يكون هو صانع ورب باقي الأجساد؟ " (١).

ويقول يسّى منصور: "لو لم يولد المسيح من عذراء لكان مجرد إنسان" (٢)، وهو بحق كذلك، بدليل أن بعض المخلوقات شارك المسيح في صورة هذه المعجزة الباهرة، أي ولادته من عذراء، من غير أب، فأصول سائر المخلوقات - ومنهم البشر - لا أب لهم ولا أم، ووجود آدم خلقاً سوياً أكبر وأكمل من خلقة المسيح الذي خلق جنيناً في بطن أمه، ثم كبر بعد ذلك ونما.

والميلاد من غير أب أعجوبة ولا ريب، لكنها لا تقتضي الألوهية بحال، ولو اقتضاها لاقتضى ألوهية أصول جميع الحيوانات، وألوهية أبوينا آدم وحواء، فقد ولد آدم من غير أب ولا أم، وولدت حواء من آدم، ولا أم لها.

وذلك المعنى هو ما أرشدنا إليه الله بقوله: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} (آل عمران: ٥٩).

ورغم المثلية القائمة بين آدم وعيسى من جهة ميلادهما من غير أب، إلا أن آدم يتميز عن عيسى بأمور، منها أن آدم عليه السلام لم يخرج من بين نجو وطمث، وأيضاً فإن الله أسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء من علمه تعالى، كما كانت الجنة منزله، وقد تولى الله مناجاته بنفسه دون أن يرسل إليه رسولاً، إلى غير ذلك مما لم يكن لعيسى ولا غيره. فإذا تميز


(١) تجسد الكلمة، البابا أثناسيوس، ص (٥٢).
(٢) انظر: مسيحية بلا مسيح، كامل سعفان، ص (٦٢)، المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح، علاء أبو بكر، ص (١٨٦).

<<  <   >  >>