للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والالتفات في الخطاب من آدم إلى بنيه من غير التنبيه على فصل في الحديث معهود في القرآن، وأمثلته كثيرة، ذكر السيوطي بعضها بعد أن نقل الآثار السابقة وغيرها من تفسير ابن أبي حاتم (١).

ومن صوره ما جاء في قصة آدم {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه: ١٢٣ - ١٢٤)، فالحديث في أول الآية موضوعه آدم وحواء {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً}، ثم انتقل بلا فصل للحديث عن ذريته {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}.

ومما يشهد لصحة هذا التأويل (الانتقال في الخطاب إلى بني آدم) ويدل عليه قوله تعالى في آخر السياق: {فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} (الأعراف: ١٩١) وما بعدها، فقد انتقل من الحديث عن الاثنين (آدم وحواء) إلى الحديث عن الجمع (ذريته).

والسياق أيضاً بيِّن وواضح في أن المقصود من الشرك عبادة الأصنام؛ لا عبادة الشيطان المذكورة في قصة آدم {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (الأعراف: ١٩٢ - ١٩٤)، فهذا كله في عبادة الأصنام لا الشياطين.


(١) انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم (٥/ ١٦٣٤ - ١٦٣٥)، والإتقان في علوم القرآن، السيوطي (١/ ٢٤٠).

<<  <   >  >>