للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يؤمنون حينئذ بما أنزل الله منهما؛ وُجِد أو عُدم، ويكذبون بما بدل فيهما مما لم ينزله الله تعالى فيهما، وهذه هي إقامتهما حقاً" (١).

وهذا الأسلوب في طلب المحال على سبيل التبكيت أسلوب قرآني ونبوي، ومنه قول الله تعالى للمنافقين يوم القيامة: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (الحديد: ١٣)، ومن المعلوم أنهم لا يقدرون على الرجوع، ولو رجعوا لم يفدهم رجوعهم.

ومثله في التبكيت قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من تحلم بحلم لم يره؛ كُلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ... ومن صوَّر صورة؛ عُذب وكُلف أن ينفخ فيها، وليس بنافخ» (٢).

ويجدر هنا التنبيه على ضعف الحديث الذي رواه أبو داود في سننه، وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - وضع التوراة على وسادة وقال: «آمنت بك وبمن أنزلك» (٣)، فالحديث ورد في قصة رجم اليهوديين الزانيين، وهو مروي في الصحيحين وغيرهما، وليس فيه هذه الزيادة (٤)، وهذه الزيادة غير موجودة حتى في روايات أبي داود الأخرى للقصة (٥).

وقد ضعف هذه الرواية غير واحد من أهل العلم، منهم ابن حزم إذ يقول: "قوله عليه السلام: «آمنت بما فيك»؛ فإنه باطل لم يصح قط، وكله موافق لقولنا في التوراة والإنجيل بتبديلهما، وليس شيء منه حجة لمن ادعى أنهما بأيدي اليهود والنصارى كما نزلا ... فخبر مكذوب موضوع، لم يأت قط من طرق فيها خير،


(١) الفصل في الملل والنحل، ابن حزم (١/ ١٥٨).
(٢) أخرجه البخاري ح (٧٠٤٢)، ومسلم ح (٢١١٠).
(٣) أخرجه أبو داود ح (٤٤٤٩).
(٤) انظر: صحيح البخاري ح (٣٦٣٥)، (٤٥٥٦)، (٦٨١٩)، (٦٨٤١)، (٧٥٤٣)، وصحيح مسلم ح (١٦٩٩)، (١٧٠٠)، والموطأ ح (١٥٥١)، وسنن الدارمي ح (٢٣٢١).
(٥) انظر: سنن أبي داود ح (٤٤٤٦)، (٤٤٥٠).

<<  <   >  >>