للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(*)

سابعاً: هل أخطأ القرآن في ذكر السامري في عهد موسى؟

قالوا: تحدث القرآن عن السامري الذي يصنع العجل في زمن موسى {فكذلك ألقى السامري (٨٧) فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوارٌ فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي} (طه: ٨٧ - ٨٩)، أي في حوالي السنة (١٤٠٠ ق م)، في حين أن الكتاب المقدس يذكر أن السامرة هي عاصمة الأسباط العشرة، وتأسست إبان حكم الملك عمري بن آخاب ملك إسرائيل، أي بعد موسى بما يربو على خمسمائة سنة (انظر الملوك (٢) ١٦/ ٢٣ - ٢٥).

الجواب: لا يوجد نص في الكتاب المقدس يتحدث عن تاريخ بناء السامرة، والمذكور في سفر الملوك لم يفهمه العلماء الكتابيون على أنه بناء تأسيس، يقول قاموس الكتاب المقدس: «وقد بنيت المدينة أو أصلح بناؤها أيام عمري بن آخاب ملك إسرائيل (٨٧٦ - ٨٤٢ ق. م)» (١).

ولو فرضنا أن الكتاب المقدس زعم أمراً ما بخصوص هذا الموضوع أو غيره، فهذا لا يحتج به على القرآن، بل ولا على كتب التاريخ، فموثوقية هذه الأسفار ومعلوماتها أقل من أن يستشهد بها؛ فضلاً عن بلوغها درجة الاحتجاج ومحاجة الآخرين أو محاكمة كتبهم.

وأستشهد هنا بإقرار المطران كيرلس سليم بسترس رئيس أساقفة بعلبك وتوابعها للروم الكاثوليك بتعارض الروايات التوراتية ومعطيات العلم الأولية، واعتذاره لذلك بالقول: «لحلّ تلك التناقضات بين الكتاب المقدس والعلم، لا بدّ لنا من التأكيد من جديد أن الكتاب المقدس ليس كتاباً علمياً يحوي دروساً في علم الكون أو في علم الحياة؛ إنما هو كتاب ديني يحتوي تعاليم عن علاقة الكون بالله خالقه» (٢)، فلا ينبغي اعتبار الكتاب مصدراً معتبراً في العلوم الكونية والإنسانية، ومنها علم التاريخ الذي نحن بصدد دراسة واحدة من مسائله.

وعلى كل حال فإن القرآن سمى صاحب العجل بالسامري، وهو اسم قديم سمي به (شامر بن محلي بن موشي بن مراري بن لاوي)، وهو الجيل الرابع للاوي بن يعقوب عليه السلام (انظر: الأيام (١) ٦/ ٤٧)، أي كان معاصراً لموسى (بن عمران بن قهات بن لاوي) (انظر الخروج ٦/ ١٦ - ٢٠)، فدل ذلك على وجود هذا الاسم زمن موسى عليه السلام، وأن لا ارتباط بينه وبين مدينة السامرة التي ستبنى بعد قرون؛ إلا أن تكون قد سميت نسبة إلى هذا الاسم القديم.

ويصح أن يقال أيضاً بأن موسى عليه السلام نادى السامري باسم مهنته (يا حارس)، فلفظة (السامري) مشتقة من الكلمة العبرانية (?????، وتنطق: ها شِمير) معناها: (الحارس).

ويحتمل أيضاً أن السامري كان من أبناء السومريين، وهي حضارة وجدت قبل الميلاد بأربعة آلاف سنة في جنوب العراق، واستمرت قائمة حتى عام ٢٠٠٠ ق. م، ويتعزز هذا الاحتمال بمعرفتنا أن السومريين برعوا بالمصنوعات الخزفية، التي تتوافق مع ما فعله السامري الذي صنع العجل الذهبي لبني إسرائيل (٣).

وفي كل واحد من هذه الاحتمالات ما يدفع هذه الأبطولة ويؤذِن بضعفها، ويكشف عن بوار فكر أصحابها.


(١) قاموس الكتاب المقدس، ص (٤٤٨).
(٢) تاريخ الفكر المسيحي، الدكتور القس حنا جرجس الخضري (١/ ١٦٩ - ١٧٠)، وانظر كيف يفكر الإنجيليون في أساسيات الإيمان المسيحي، واين جردوم، ص (٧٥).
(٣) انظر: موسوعة المورد، منير البعلبكي (٩/ ١٣٨).

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: البنود (سابعا، وثامنا، وتاسعا) مما زاده المؤلف في هذه النسخة الإلكترونية، وليس بالمطبوع

<<  <   >  >>