للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أشعارهم وكلامهم، فالقرآن هو المصدر الأول والأساس لقواعد العربية.

لكن العرب الفصحاء قبل وضع هذه القواعد لم يكونوا على نسق واحد في الإعراب والأساليب اللغوية، فلكل قبيلة خصوصيتها اللغوية وفصاحتها وشعراؤها وأدباؤها وإثراؤها للغة الضاد، فعمد مقعدو اللغة إلى الشائع عند عموم العرب، وأهملوا غيره مما هو فصيح تنطق به بعض قبائل العرب.

ولو شئنا أن نضرب مثلاً لقلنا: الشائع في قواعد اللغة حذف ضمير الفاعل من الجملة إذا جاء الفاعل اسماً ظاهراً، فيقول عموم العرب: (جاء المسلمون)، ولا يقولون: (جاؤوا المسلمون)، لكن قبيلة طيء تجيز إثبات ضمير الفاعل، مع وجود الاسم الظاهر، وهي اللغة المشهورة عند النحاة بـ (أكلوني البراغيث)، ومنه قول أبي فراس الحمداني:

نُتِج الربيعُ محاسناً ... ألقحنَها غرُّ السحائب

وكذا قول محمد بن أمية:

رأين الغواني الشيبَ لاح بعارضي ... فأعرضنَ عني بالخدودِ النواضرِ (١)

فالشاعران ذكرا ضمير الفاعل (نون النسوة) في قولهما: (ألقحنها)، و (رأين) مع ذكر الفاعل الظاهر بعده، وهو قولهما: (غرُّ)، (الغواني).

فلا يصح أن يقال عن قوله: (رأين الغواني) بأنه لحن، وأن صحيحه حذف الضمير: رأت الغواني، فقد نطق به الفصحاء من العرب؛ وإن جاء على خلاف قواعد المتأخرين منهم، أو بالأحرى على خلاف الشائع عند الكثير من قبائل العرب.

ومثله شاع اليوم عندنا استخدام كلمة (الذين) في معنى الوصل، وهي لغة فصيحة عند العرب، ومثلها في الفصاحة ما يقوله بنو عقيل وغيرهم من العرب


(١) شرح شذور الذهب، ابن هشام، ص (٢٢٩)، وفقه اللغة، الثعالبي (٢/ ٥٦٩).

<<  <   >  >>