للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِالله} (البقرة: ٦٢)، وسورة الحج: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى} (الحج: ١٧).

والجواب: أن الواو في الآيتين الأخيرتين للعطف، والمعطوف على المنصوب منصوب، بينما الأمر مختلف في قوله: {إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}، فالواو فيه استئنافية، وليست للعطف على الجملة الأولى.

وقوله: {وَالصَّابِئُونَ} مرفوع على الابتداء، وخبره محذوف، قال سيبويه والخليل: "الرفع محمول على التقديم والتأخير، والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا ... والصابئون كذلك"، ومثّل له سيبويه بقول الشاعر:

وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق (١)

ومثله قول ضابئ البرجمي:

فمن يك أمسى بالمدينة رحلُه ... فإني وقيَّارٌ بها لغريب (٢)

فرفع الشاعر اسم فرسه (قيار)، وهو فيما يظهر معطوف على منصوب (ياء المتكلم في قوله: فإني)، فرفع الشاعر (قيار) على الابتداء، والمعنى: إني غريب، وقيار كذلك غريب، ومثله سواء بسواء رفع {الصَّابِئُونَ} في الآية المستشكلة.

لكن يشكل على هذا التخريج ما أورده أبو عبيد في "فضائل القرآن" من خبر يرويه أبو معاوية الضرير من طريق هشام بن عروة بسنده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة بن الزبير: (يا ابن أختي، هذا عمل الكتاب أخطؤوا في الكتاب) (٣)، فهذا الخبر لا يصح سنداً، وهو منكر متناً.

فأما ضعف إسناده فسببه أبو معاوية الضرير، قال عنه المزي: "روى أبو


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (٦/ ٢٤٦).
(٢) انظر: تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، ص (٥٠ - ٥٢)، والمدخل لدراسة القرآن العظيم، محمد محمد أبو شهبة، ص (٣٣٦).
(٣) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ح (٤٦٩).

<<  <   >  >>