للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب: أن يوم القيامة يوم طويل {كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج: ٤)، وفيه مواقف متباينة، لكل منها ما يخصه من الأحكام والأحوال، ففيه حذر وترقب، وفرج وبشارة، وفيه حزن وهلاك، وأمن وأمان، والناس يتنقلون بين هذه المواقف، بل لربما تنقل المرء فيه من حال إلى حال، ففي حديث عائشة أنها ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما يبكيك؟»، قالت: ذكرتُ النار فبكيتُ، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً: عند الميزان حتى يعلم: أيخف ميزانه أم يثقل؟ وعند الكتاب حين يقال: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ}؛ حتى يعلم أين يقع كتابه، أفي يمينه أم في شماله؟ أم من وراء ظهره؟ وعند الصراط: إذا وضع بين ظهري جهنم» (١)، فهذا لا يتعارض مع قوله: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (عبس: ٣٧)، فهذا الذهول لا يستغرق يوم القيامة، بل هو متعلق ببعض مواقفه، وهو لكل بحسب عمله وتقواه.

وهكذا فما يذكر من اختلاف الأحوال لاختلاف المواقف، ولطول ذلك اليوم وعظم شأنه عبَّر القرآن عن كل واحد منها بكلمة {يوم} أو {يَوْمَئِذٍ}، من غير أن تعني استغراق الفعل لكل ذلك اليوم الطويل.

ويدل لذلك قول الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} (عبس: ٣٣ - ٤٢)، فذكرت الآيات في نفس السياق حالين للمؤمنين (الخوف ثم الفرح) وحالين للكافرين (الخوف والكآبة)، وكل هذه الأحوال في يوم القيامة، فالإشارة إلى حدوثها في يوم القيامة لا يعني


(١) أخرجه أبو داود ح (٤٧٥٥)، وأحمد ح (٢٤١٧٥)، واللفظ لأبي داود.

<<  <   >  >>