للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} (المائدة: ٨٩)، فقد تنبأ القرآن بنهاية الاسترقاق والرقيق بفضل شرائعه التي لا نجد لها مثيلاً عند الأمم الأخرى.

ومن هذه الشرائع أن الأمَة إذا ولدت لسيدها عتقت بعده، وأن أولادها منه أحرار كأبيهم، ولعل من الطريف أن نذكر هنا أن خلفاء بني العباس كانوا جميعاً من أبناء الإماء إلا أبا العباس السفاح والمهدي والأمين (١).

يقول غوستاف لوبون: "لا يكاد المسلمون ينظرون إلى الرق بعين الاحتقار، فأمهات سلاطين آل عثمان -وهم زعماء الإسلام المحترمون- من الإماء، ولا يرون في ذلك ما يحط من قدرهم" (٢).

وحين أبقى الإسلام الرق فإنه ضمن للرقيق ما لا تجده في حضارة أخرى أو دين آخر، ومن ذلك أن أمر السيد بمساواة رقيقه بنفسه في مطعمه ومشربه، وأن يؤمن له حاجاته الضرورية، فامتلاكه للرقيق مسؤولية وغُرم قبل أن يكون غُنماً، وإذا شئنا أن ندلل على هذه المسألة فلنقف على بعض مظاهر هذه المأثرة الحضارية الفريدة عند المسلمين.

رأى المعرور بن سويد أبا ذر الغفاري - رضي الله عنه - وعليه حُلة، وعلى غلامه حُلة، فسأله عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلاً، فشكاني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي - صلى الله عليه وسلم -: «أعيرته بأمه .. إن إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم» (٣)، وفي حديث آخر قال - صلى الله عليه وسلم -: «للمملوك طعامه


(١) انظر: تاريخ الخلفاء، السيوطي، ص (٢٤).
(٢) حضارة العرب، غوستاف لوبون، ص (٣٧٦).
(٣) أخرجه البخاري ح (٢٥٤٥)، ومسلم ح (١٦٦١).

<<  <   >  >>