للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمر الفتية , والرجل الطواف , وفيها قول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (الإسراء: ٨٥) (١)، فلو كان القرآن من عند نفسه - صلى الله عليه وسلم - لأجابهم من لحظته أو بعد ساعة، ولما أرهق نفسه خمس عشرة ليلة في انتظار جواب هو سيقوله وينشئه من عند نفسه.

وحين أرجف المنافقون بحديث الإفك عن زوجه - عائشة رضي الله عنها أبطأ الوحي في بيان براءتها، وطال الأمر عليه وعلى المسلمين، والناس يخوضون في الإفك، حتى بلغت القلوب الحناجر , وهو لا يملك إلا أن يقول بكل تحفظ واحتراس: «إني لا أعلم عنها إلا خيراً».

وبقي - صلى الله عليه وسلم - شهراً في غم واستشارة للأصحاب، والكل يقولون: ما علمنا عليها من سوء، لم يزد على أن قال لها آخر الأمر: «يا عائشة، أما إنه بلغني كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنتِ ألممت بذنب فاستغفري الله» (٢).

ثم نزل عليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ} إلى قوله: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (النور: ٢٦)، فأعلم الناس ببراءتها.

فماذا كان يمنعه - لو أن أمر القرآن إليه - أن يسارع إلى تقول هذه الكلمات الحاسمة؛ ليحمي بها عرضه , ويذب بها عن عرينه , وينسبها إلى الوحي السماوي, لتنقطع ألسنة المتخرصين؟ ولكنه - صلى الله عليه وسلم - الصادق الأمين الذي ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (الحاقة: ٤٤ - ٤٧) (٣).


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان (١٧/ ٥٩٣).
(٢) أخرجه البخاري ح (٢٦٦١)، ومسلم ح (٢٧٧٠).
(٣) انظر: الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين، عبد المحسن زبن المطيري، ص (٣١١).

<<  <   >  >>