للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أُمِّية النبي - صلى الله عليه وسلم -

وقبل أن نشرع في بيان الحق في هذه المسألة نود أن نقرر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُمِّي لا يعرف القراءة والكتابة {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} (الأعراف: ١٥٧)، ونشأ في أمة أمية، ندر أن تجد فيها من يقرأ ويكتب {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} (الجمعة: ٢).

لقد كانت أُمِّية النبي - صلى الله عليه وسلم - حجر العثرة الذي أعثر أصحاب الأباطيل الزاعمين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نقل من كتب السابقين وعلومهم، وقد رد عليهم القرآن بقول الله: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (العنكبوت: ٤٨)، قال هذا والنبيُّ بين ظهراني قريش، فلم يستنكره أحد من المشركين، ليقينهم بأميته - صلى الله عليه وسلم -، كيف يجهلون ذلك وقد مكث - صلى الله عليه وسلم - بينهم قبل بعثته أربعين سنة {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (يونس: ١٦).

وشغب أصحاب الأباطيل على أمِّية الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذكر نصين من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، زعموا أن فيهما شهادة على معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة والكتابة، أولهما: حين شارك في كتابة صلح الحديبية، فكتب فيه ما يقارب السطر (١)، والآخر حين قال للصحابة قبيل وفاته: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده» (٢)، فرأوا في هذين النصين الصحيحين ما يدل على معرفته - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة والكتابة.

فأما كتابة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية فكان معجزة له - صلى الله عليه وسلم -، إذ كتب ما كتب، ولم يكن كاتباً من قبل، بدليل رواية البخاري التي أخبرت أنه - صلى الله عليه وسلم - كتب وهو لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ففيها أن قريشاً اعترضت على الكتاب الذي يكتبه علي - رضي الله عنه -


(١) أخرجه البخاري ح (٣١٨٤)، ويأتي نصه.
(٢) أخرجه البخاري ح (١١٤)، ومسلم ح (١٦٣٧).

<<  <   >  >>