للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا فالنسخ بعض كمال قوة الله وقدرته وعلمه بما يصلح لعباده، فهو ينسخ ما يشاء، ويبدله بما شاء وأراد {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة:١٠٦)، فالآية صريحة بكمال صفات الله، وأنه ينسخ ما يشاء بقدرته التي لا يحدها شيء.

ويلزمنا التنبيه إلى أن النسخ في القرآن لا يقع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هو فعل إلهي محض: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} (يونس: ١٥).

ثم لو تأملنا الآيات المنسوخة لوجدنا فيها - أحياناً- ما يشعر بكون هذا الحكم مؤقتاً، كما في حكم حبس الزانية في قوله: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (النساء: ١٥)، فقوله: {أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} نص في ترقب حكم جديد ينزل من الله تعالى، وقد تحقق هذا السبيل المنتظر من الله في آيات سورة النور التي قضت بجلد الزانية، بدلاً من الحكم المنسوخ (حبسها).

ولم تنسخ الآية من التلاوة؛ لأن الله نسخ حكمها، وأبقاها متلوة إلى قيام الساعة؛ يؤجر المسلمون على قراءتها، ويرون فيها بعض رحمة الله وتخفيفه على عباده حين نسخها بحكم آخر أيسر منه.

أما النوع الثاني من أنواع النسخ؛ فهو نسخ التلاوة، وهو نوع مخصوص بآيات من القرآن نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقرأها المسلمون، ثم رفعها الله من قرآنه لحكمة هو أعلم بها {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (الرعد: ٣٩)، فما يمحوه الله من آياته ليس نسياناً، ولا لغيره مما يطرأ على البشر، بل هو وفق حكمته ومشيئته وعلمه الأزلي {بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} (البروج:

<<  <   >  >>