للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكم على مرتكب الكبيرة، وتباينت آراؤهم في ذلك أشد التباين:

فمنهم من ذهب إلى الحكم عليه بالشرك، شأنهم في ذلك شأن الأزارقة.

وزعم بعضهم أن الذنب الموضوع له حد لا نتجاوز تسمية اللَّه فيه من أنه زانٍ أو سارق أو قاذف وليس صاحبه كافرًا ولا مشركًا، أما الذنب الذي لم تقرر له الشريعة حدًّا كترك الصلاة والصوم فهو كفر وصاحبه كافر.

وثمة من الصفرية من رأى أن صاحب الذنب لا يحكم عليه بالكفر حتى يرفع إلى الوالي فيحده.

ولم ير الصفرية -خلافًا للأزارقة- فتل أطفال مخالفيهم وسبي نسائهم، كما أنهم لا يوافقون الأزارقة فيما ذهبوا إليه من عذاب الأطفال.

ومن أئمة الصفرية: عمران بن حطان السدوسي، وأبو بلال مرداس الخارجي.

فأما أبو بلال مرداس، فقد خرج في أيام يزيد بن معاوية بناحية البصرة على عبيد الله ابن زياد، فأرسل إليه عبيد اللَّه من قتله.

فلما قتل مرداس اتخذت الصفرية عمران بن حطان إمامًا، وهو الذي رثى مرداسًا بقصائد يقول في بعضها:

أنكرتُ بعدك ما قد كنت أعرفه ... ما الناس بعدك يا مرداس بالناس

وكان عمران بن حطان هذا ناسكًا شاعرًا شديدًا في مذهب الصفرية وبلغ من خبثه في بغض علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه رثى عبد الرحمن بن ملجم، وقال في ضربه عليًّا:

يا ضربة من منيب ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانًا

إني لأذكره يومًا فأحسبه ... أوفى البرية عند اللَّه ميزانًا

قال عبد القاهر: وقد أجبناه عن شعره هذا بقولنا:

يا ضربة من كفور ما استفاد بها ... إلا الجزاء بما يصليه نيرانا

إني لألعنه دينًا وألعن من ... يرجو له أبدًا عفوًا وغفرانًا

ذاك الشقي لأشقى الناس كلهم ... أخفهم عند رب الناس ميزانًا

<<  <  ج: ص:  >  >>