للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتمل: أن ينسى عليكم سيئاتكم في الجنة؛ لأن ذكر المساوئ في الجنة تنقص عليهم نعمه، فأخبر - عَزَّ وَجَلَّّ - أنه ينسيهم مساوئهم في الجنة؛ لئلا ينقص ذلك عليهم، واللَّه أعلم.

وقوله: - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ):

وبادروا -أيضًا- بالتوبة عن استحلال الربا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فمعنى ضرب مثل الجنة بضرب السماوات والأرض، وذلك - واللَّه أعلم - ذكر هو أن للسماوات والأرض أحوالًا ليست تلك الأحوال لغيرها من الخلائق؛ بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ)؛ وذلك أنهما عندهم من أشد الخلائق وأقواها، فقال: إن الذي قدر على اتخاذ ما هو أشد وأقوى وأصلب - لقادر على إنشاء ما هو دونه، وهو هذا العالم الصغير.

ووصف -أيضًا- السماوات والأرض بالغلظ والكثافة والشدة؛ لقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَبعَ سماوَاتٍ) (شِدادًا) وغلاظا، ثم أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنها مع غلظها وكثافتها تكاد أن تنشق لعظيم ما قالوا بأن لله ولدًا وشريكًا بقوله: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١)؛ ليعلموا عظيم القول وقبحه؛ لئلا يقولوا في اللَّه ما لا يليق به.

ووصف -أيضًا- السماوات والأرض بالدوام إلى وقت يبعد فناؤهما في أوهام الخلق، وإن كانا فانيان بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) فإذا كان للسماوات والأرض ما ذكرنا من الأحوال عند الخلق، ليست تلك الأحوال لغيرها من الخلائق؛ من شدتها وقوتها، وصلابتها وكثافتها وسعتها - شبه عرض جنته وسعتها بسعة السماوات والأرض وعرضهما؛ لما هما عند الخلق ليسا بذوي نهاية، وإن كانا ذوي نهاية وغاية؛ كما وصف أهل الجنة وأهل النار بالدوام فيهما بدوام السماوات والأرض، وإن كانا فيهما غير دائمين أبدًا؛ لبعد فنائهما عن أوهام الخلق؛ فعلى ذلك الأول، واللَّه أعلم.

وفيه دلالة أن الجنة ذو نهاية المكان في العرض، وإن لم تكن بذات نهاية الوقت وغايته؛ لأنه ذكر العرض لها، وكل ذي عرض يحتمل نهاية عرضه - واللَّه أعلم - ولو لم يكن ذا نهاية من حيث العرض، فكأن اللَّه غير موصوف بالقدرة على الزيادة، ومن زال عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>