للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن في هذا تخلية السبيل، على أنهن؛ إذا زنين فعل بهن ذلك على رفع الحبس عنهن إذا حبس بما لم يبين حد ذلك، فإذا بين زال ذلك ولا حد حتى يكون منها ذلك، فالسبيل المجعول لهن تخلية السبيل، ثم بين الحكم في الحادث.

ووجه آخر: أن السبيل في الحقيقة مجعول لمن كلف إمساكهن، وإن أضيف إليهن بما فيهن ضيق عليهم الأمر، وذلك كقوله - تعالى -: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، والإماء لا يؤتَين الأجر، لكن بما بمعنى فيهن ذكر الأجر، فأضيف إليهن، وعلى نحو ما أضيف أهل القرى إلى القرى بالتسمية، فأخرجت على تسمية القرى، وإذا كان المراد أهل ذلك في حق تسمية الأهل التذكير والقرية التأنيث، فكأنه جعل للمأمورين بالإمساك سبيلا في أن يقيموا الحد، ويزول عنهم مؤنة الإمساك والقيام بالكفاية.

والثالث: أن يكون في طول الحبس ضجر وضيق، وحيلولة بين المحبوس والشهوات كلها، وقطع ما بينه وبين الأحباب، وتحمل مثله بمرة أيسر على النفس وأهون من دوام الذل والقهر، ثم لا مخلص عن ذلك إلا بما في الأول يكون ثمرة؛ فلذلك سمي - واللَّه أعلم - ذلك سبيلاً لهن.

ثم دل الخبر الذي ذكرت على أمرين:

أحدهما: أن الحبس -وإن كان مذكورًا في النساء خاصة- فهو في جميع الزناة؛ لأنه قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللُّه لَهُن سَبِيلًا " ثم ذكر ما به جعل لهن السبيل، في الذكور والإناث، في المحصنين وغيرهم جميعًا؛ ليعلم أن الحكم يجمع الكل وإن كان الذكْرُ فيهن، وذلك كما ذكر حد المماليك في الإماء، وحد الزناة في قذف المحصنات، والحكم يجمع الذكر والأنثى من حيث اتفاق المعنى الذي له جعل، فمثله فيما نحن فيه.

والثاني: بيان نسخ المذكور من الحكم في الكتاب بالسنة، وذلك لوجهين:

أحدهما: أنه لم يوجد على الترتيب الذي ذكر في القرآن مع ما ذكر تخلية السبيل، وليس بمذكور في شيء من القرآن؛ ثبت أن ذلك كان بوحي غير القرآن.

والثاني: أنه - عليه السلام - قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني " ثم أخبر عن جعل اللَّه لهن السبيل؛ فدل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني " أنه بيان اللَّه، وهكذا معنى النسخ

<<  <  ج: ص:  >  >>