للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واستدل قوم بهذه الآية على إبطال الاجتهاد، وترك القول إلا بما يوجد في كتاب اللَّه - تعالى - أو في سنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، نصًّا، ويقولون: فَنَكِلُ أمره إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - ورسوله - عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات - وليس ذلك عندنا.

والآية تحتمل وجهين:

أحدهما: أن يحمل تأويلها على أن التنازع إذا كان في عهد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وجب أن يرد إليه - عليه الصلاة والسلام - ويُسأل عن ذلك، ولا يُستعمل في الحادثة الاجتهاد ولا النظر.

فأما ما كان من التنازع بعد وفاة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: فإن حكم الحادثة يطلب في كتاب اللَّه، أو في سنة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أو في إجماع المسلمين، فإن وجد الحكم في أحدهم بينا وإلا قيل بالاجتهاد.

والوجه الثاني: أن يكون المجتهد إذا ما اجتهد فيه إلى كتاب اللَّه - تعالى - وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيقول: وجدت في الكتاب أو في السنة كذا وكذا، وهذه الحادثة تشبه هذا الحكم، فحكمها حكمه، ويكون رادًّا لحكم الحادثة إلى كتاب اللَّه - تعالى - وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أو شبهها بما وجده من الحكم فيهما.

وإذا كان ما وصفنا من تأويل الآية محتملًا؛ فلا حجة لهم علينا في ذلك، واللَّه المستعان.

وفي الآية دلالة جعل الإجماع حجة، وهو قوله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. . .) الآية، أنه إنما أمر بالرد إلى اللَّه والرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عند التنازع؛ لم يأمر عند الإجماع؛ دل أنه إذا كان ثَمَّ إجماع لا تنازع فيه، لم يجب الرد إلى ما أودع في الكتاب وفي السنة.

وفي الآية دلالة أنه يدرك بالطلب المودع فيه؛ لأنه لو لم يدرك، أو ليس ذلك فيه، لم

<<  <  ج: ص:  >  >>