للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجزعًا، قال: فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا لَكُم؟ وَمَا غَيَّرَ وُجُوهَكُم وَلَوْنَكُمْ؟ " فقالوا: يا رسول اللَّه، ما بنا من مرض ولا وجع، غير أنَّا إذا لم نرك ولم نلقك اشتقنا إليك، واستوحشنا وحشة شديدة حتى نلقاك، فهذا الذي ترى من أجل ذلك، ونذكر الآخرة فنخاف ألا نراك هناك؛ فأنزل اللَّه - تعالى - (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ. . .) الآية.

ويحتمل: أن لم يكن في واحد من ذلك، ولكن في وجوه آخر.

أحدها: أن اليهود، وغيرهم من الكفرة، والذين آذوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأفرطوا في تعنتهم وتمردهم في ترك إجابتهم إياه، وطاعتهم له - ظنوا أنهم وإن أسلموا وأطاعوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يقبل ذلك منهم توبتهم، ولم ينزلوا منزلة من لم يؤذه، ولم يترك طاعته، فأخبر - عز وجل -: أنه إذا أطاع اللَّه والرسول فيكون: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) كأن لم يترك طاعته أبدًا - واللَّه أعلم - كما قال - تعالى -: (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ).

ويحتمل: أن يكون ذلك لما سمعوا أن لكل أحد في الجنة مثل الدنيا فظنوا ألا يكون لهم الاجتماع والالتقاء؛ لبعد بعضهم من بعض، فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن يكون لهم الاجتماع؛ لأن ذلك لهم في الدنيا من أعظم النعم وأجلها.

ويحتمل: أن يكون على الابتداء: أن من أطاع اللَّه - تعالى - والرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيكون (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ)، في دار واحدة، لا يكونون في غيرها؛ فهذه الوجوه كأنها أشبه - واللَّه أعلم - إذ هم بالطاعة أجابوا، واللَّه أعلم.

ثم اختلف في (وَالصِّدِّيقِينَ)؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: أتباع الأنبياء - عليهم السلام -

<<  <  ج: ص:  >  >>