للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الاستواء واليد والعين والوجه، فأثبتوها إثباتًا ماديًّا، فأجازوا على اللَّه الملامسة والمصافحة، كما عولوا على بعض الأحاديث التي يؤدي معناها المادي الظاهري معنى التجسيم؛ كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خلق اللَّه آدم على صورته "، وقوله: " قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن ".

وقد انتقد الأشعري هذه الطائفة وشدد النكير عليها، ورماهم بضعف النظر العقلي الذي أداهم إلى آرائهم الشاذة في التجسيم الذي يتنافى مع الوحدانية الصحيحة، وألف رسالة سماها: " استحسان الخوض في علم الكلام "، أشار فيها إلى ضرورة النظر العقلي في مسائل الاعتقاد، وأننا لن نعدم من الأدلة القرآنية ما يؤيد أن المنهج السليم ينبغي أن يقوم على النقل والعقل جميعًا فقال:

" إن طائفة من الناس جعلوا الجهل رأس مالهم، وثقل عليهم النظر والبحث عن الدِّين، وطعنوا على من فتش في أصول الدِّين، وزعموا أن الكلام في الحركة والسكون والجوهر والعرض والجزء والطفرة بدعة وضلالة، مستدلين بأن شيئًا من ذلك لم يؤثر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وخلفائه وأصحابه ولو كان خيرًا لتكلموا فيه ".

فأجابهم الأشعري بقوله: لم قلتم: إن البحث في ذلك بدعة مع أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يقل بأن من بحث عن ذلك وتكلم فيه فاجعلوه مبتدعًا ضالاًّ؟! فقد لزمكم أن تكونوا مبتدعة ضلالاً؛ لأنكم قلتم ما لم يقله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.

ثم إن الحركة والسكون والاجتماع والافتراق موجود في قصة إبراهيم - عليه السلام - وأفول الكواكب والشمس والقمر.

وقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} دليل الوحدانية في القرآن الكريم، وكلام المتكلمين في التوحيد والتمانع والتغالب فإنما مرجعه هذه الآية.

وطريقة إلزام الخصم نأخذها من القرآن الكريم، فحينما جاء الحبر السمين وقال للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} يريد بذلك إنكار نبوة مُحَمَّد، فرد القرآن عليه: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} وهذا إلزام أقر به الخصم.

كما استدل الأشعري على إبطال حوادث لا أول لها من سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حيث قال: " فمن

<<  <  ج: ص:  >  >>