للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل: في حرف حفصة: " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، قالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال، فلما كتب عليهم القتال إذا هم يخشون الناس كخشية اللَّه " كأن في الآية إضمارًا، يبين ذلك حرف حفصة، وإلا لم يكن في ظاهر الآية خبر حتى يكون قوله - تعالى -: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ. . .) الآية - جوابًا له.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ. . .) فإن كانت الآية في المنافقين، فهو على الإنكار قالوا ذلك، وإن كانت في المؤمنين فهو يخرج على طلب الحكمة في فرض القتال عليهم، طلبوا أي حكمة في فرض القتال علينا؟ وقد تطلب الحكمة في الأشياء، ولا عيب يدخل في ذلك، وأصله: أن كل آمر - في الظاهر - من هو فوقه فذلك سؤال له في الحقيقة لا أمر؛ فيخرج سؤاله مخرج الخضوع والتضرع له، ومن أمر من دونه فهو في الحقيقة ليس بسؤال، فهو يخرج على الأمر والنهي، وهو الأمر الظاهر في الناس.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ)

معناه - واللَّه أعلم -: إنا لم نخلقكم للدنيا وللمتاع فيها، إنما خلقناكم للآخرة وللمقام فيها، فلو خلقتكم للدنيا ثم كتبت عليكم القتال - لكان ذلك عبثًا خارجًا عن الحكمة، ولكن خلقناكم للآخرة وللمقام فيها.

ويحتمل قوله - تعالى -: (يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) وقوله - تعالى -: (وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ. . .) إلى آخره، أن لم يقولوا ذلك قولا، ولكن كان ذلك خطرًا في قلوبهم، فأخبرهم نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عما أضمروا؛ ليعلموا أنه إنما عرف ذلك باللَّه - تعالى - ليدلهم على نبوته ورسالته.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) فنموت حتف أنفنا ولا نقتل، قتلا؛ فَيُسَرُّ بذلك الأعداء؛ كقوله: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، وفي القتل فتنة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ) يحتمل وجهين:

أحدهما: ما ذكرنا: أنهم لم يخلقوا لمتاع الدنيا، ولكن إنما خلقوا لمتاع الآخرة.

والثاني: أن متاع الدنيا قليل من متاع الآخرة، كقوله - سبحانه وتعالى -: (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)، وكقوله - تعالى -: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>