للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الإبانة مثل: إثبات الوجه واليدين والاستواء على العرش.

وقد اتخذ البعض من هذين الكتابين ذريعة لاتهام الأشعري بالتناقض في منهجه الكلامي، أو على أقل تقدير اتخذوا من ذلك دليلًا على تطور عقيدة الأشعري، وتحولها في المرحلة النهائية إلى صورة أقرب للمعتزلة منها إلى أهل السنة.

ويدافع أحد الباحثين عن وحدة المنهج الأشعري، مبينًا أن التباين في المنهج الذي احتذاه الأشعري في كتابيه الإبانة واللمع يرجع إلى اختلاف الفرقة التي يرد عليها وينقد آراءها، فيقول:

إن الأشعري حين ألف الإبانة كان يريد أن يحسم موقفه مع المعتزلة ويبين العقيدة التي يعتنقها ويسير عليها ويدافع عنها، فجاء منهجه متحاملا على المعتزلة غير مهادن لهم؛ لأنه كما نعلم أخذ على نفسه عهدا أن يكشف أمرهم ويظهر فضائحهم، ومن ناحية أخرى فإنه أظهر أن الإمام الذي يسير على منهجه هو الإمام أحمد بن حنبل الذي وقف ضد المعتزلة وقفته المشهورة، فكتاب الإبانة من هذه الناحية يعتبر تقريرًا لعقيدة الأشعري بملامح منهجية جديدة.

أما كتاب اللمع فقد ألفه ليرد على الدهرية ونفاة الصانع بجانب رده على المعتزلة بعد أن تم له النصر عليهم فجاءت آراؤه بعيدة عن التحامل؛ فالكتاب والأمر كذلك تعبير عن منهج قد نضج فعلاً، وقد دافع إمام الحرمين عن منهج الأشعري، ولم يشر إلى أي مراحل منهجية مع أن الجويني كان إذا تصدى لمسألة فإنه يذكر الأقوال فيها، ويبين طرقها المختلفة، ويفند الأمر من وجهة نظره تفنيدًا منهجيًّا، ولم يطلعنا وهو يرد على خصوم شيخه على أي اختلاف لمنهج الأشعري، فلما طعن المعتزلة على الأشعري في تصدير كتابه اللمع بالدلالة القرآنية وبمفهومها الشارح لها، بين الجويني في الشامل أن السبب الذي جعل الأشعري يسلك هذا المنهج هو أن اللَّه تعالى احتج على الكفرة والمنكرين بالحجج التي صدر بها الأشعري اللمع حتى تكون حجته موافقة للقرآن، فقال: " وما اعترضوا به من قولهم: إن الاستدلال بالقرآن على الدهرية ونفاة الصانع لا يتحقق باطل؛ لأن شيخنا ما استدل عليهم بنفس الآية وإنما استدل عليهم بمعناها، وهي تنطوي على وجه الحجاج، والذي يوضح ذلك أن الرب تعالى احتج بما ذكره على الكفرة والمنكرين، وذكره الأشعري ليقيم الاحتجاج به على حسب ما أراد اللَّه من الاحتجاج ".

<<  <  ج: ص:  >  >>