للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالسوء من القول، وإن لم يكن له ذلك؛ وهو كقوله - تعالى -: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)؛ فإنهم -وإن لم يكن لهم حجة عليكم- فإنهم يحتجون عليكم؛ فعلى ذلك الظالم، وإن لم يكن له الجهر بالسوء من القول فإنه يفعل ذلك، واللَّه أعلم.

ومن قرأ: (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ): بالرفع -فتأويله ما ذكرنا- واللَّه أعلم -: أنه لا يبيح لأحد الجهر بالسوء من القول إلا المظلوم؛ فإنه يباح له أن يدعو على ظالمه، وينتصر منه.

والثاني: ما قيل: من سبَّ آخر، فإنه لايباح له ولا يؤذن أن يرد عليه مثله وينتصر منه.

وقيل: نزلت الآية في أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شتمه رجل بمكة، فسكت عنه ما شاء اللَّه، ثم انتصر؛ فقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وتركه.

وعن الحسن قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا؛ فَهُوَ عَلى البَادِئ حَتَّى يَعْتديَ المَظْلومُ ". وقال: " ألا لا تَسْتَبُّوا، فَإِنْ كُنْتُم فَاعِلينَ لَا مَحَالَةَ، فَعَلِمَ الرَّجُلُ مِنْ صَاحِبِهِ - فَلْيَقُلْ: إِنَكَ لَجَبَّارْ، وَإِنَكَ لَبَخِيلٌ ".

وأصل هذا الاستثناء أن الأول - وإن لم يكن من نوع ما استثنى - فهو جزاؤه، وجزاء الشيء يسمى باسمه؛ كما سمى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - جزاء السيئة: سيئة؛ بقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)، وسمي جزاء الاعتداء: اعتداء، وإن لم يكن الثاني اعتداء ولا سيئة؛ فعلى ذلك استثنى (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)، وإن لم يكن من نوعه؛ لأنه جزاء الظلم والاعتداء، واللَّه أعلم.

وقيل: إن الآية نزلت في الضيف ينزل بالرجل فلا يضيفه، ولا يحسن إليه؛ فجعل له أن يأخذه بلسانه، وإلى هذا يذهب أكثر المتأولين، لكنه بعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>