للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه؛ لأن البازي ونحوه مستوحش عن الناس ينفر طبعه عنهم؛ فدل إلفه الناس وإجابة أصحابهم على التعلم وإن أكل منه، ولا يحتمل أن يكون بالتناول منه يخرج عن حد التعليم؛ لأنه إنما يعلم بالأكل من الصيد، وأما الكلب: فإنه يألف الناس ولا يستوحش، ومن طبعه اكل إذا أخذ الصيد؛ فدل إمساكه عن التناول منه على أنه معلم.

وقد روي عن عليٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وابن عَبَّاسٍ ما يدل على تأييد ما ذكرنا، قالا: إذا أكل الصقر فكل، وإن أكل الكلب فلا تأكل. وعن سلمان كذلك.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).

يحتمل قوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ)؛ فلا تستحلوا ما لم يذكر اسم اللَّه عليه؛ فإنها ميتة.

ويحتمل: اتقوا اللَّه في ترك ما أمر ونهى كله.

(إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، يحتمل السرعة: كناية عن الشدة.

وقوله تعالى (سَرِيعُ الْحِسَابِ): شديد العقاب.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ... (٥)

يحتمل قوله: (الْيَوْمَ) حرف افتتاح يفتتح به الكلام، لا إشارة إلى وقت مخصوص؛ على ما ذكرنا في قوله - تعالى -: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)، وقد يتكَلم باليوم لا على إشارة وقت مشار إليه. وهو - واللَّه أعلم - ما حرم عليهم من الثمانية الأزواج التي ذكر اللَّه - تعالى - في سورة الأنعام، وهو قوله: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ. . .) إلى آخر ما ذكر.

ثم قال: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا. . .) الآية، وما حرموا هم على أنفسهم من: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وغيرها من المحرمات التي كانت، فأحل اللَّه ذلك لهم؛ فقال: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)، وكانت محرمة عليهم قبل ذلك، لكن أهل التأويل صرفوا الآية إلى الذبائح، لم يصرفوا إلى ما ذكرنا، وقد ذكرنا المعنى الذي به صارت الذبائح طيبات فيما تقدم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ):

<<  <  ج: ص:  >  >>