للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ)

اختلف فيه.

قَالَ بَعْضُهُمْ: هو على التخيير إذا رفعوا إلى الإمام: إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض ولم يحكم، لكنه منسوخ بقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ): أمر بالحكم بينهم إذا جاءوا، ونهى أن يتبع أهواءهم، وفي ترك الحكم بينهم اتباع هواهم، وقال: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) (وَاحْذَرْهُمْ) قالوا: هو منسوخ بهذه الآية، وأمكن الجمع بينهما، وهو أن قوله - تعالى -: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) في قوم من أهل الحرب دخلوا دار الإسلام بأمان، فرفعوا إلى الإمام أمرهم؛ فالإمام بالخيار: إن شاء ردهم إلى مأمنهم، أو نقض عليهم أمانهم، ولم يحكم بينهم، وإن شاء تركهم وحكم بينهم؛ فذلك معنى التخيير، والله أعلم.

وأما قوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ): فذلك في أهل الذمة الراضين بحكمنا، إذا رفعوا إلى الحاكم يجب أن يحكم بينهم، ولا يرد عليهم ما طلبوا منه من إجراء الحكم عليهم؛ لأنه ليس له فسخ ما أعطى لهم من العهود والمواثيق، وهم قد رضوا بحكمنا؛ لذلك لزم الحكم بينهم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا)

يحتمل هذا وجهين:

يحتمل: أن يقع الإعراض عنهم موقع الجفاء، ويعدون ذلك جفاء؛ فأمَّن - عَزَّ وَجَلَّ - نبيه - عليه السلام - عن أن يلحقه ضرر منهم.

ويحتمل قوله: (فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا) أي: ليس عليك من ضرر ما هم فيه؛ فإنما ضرر ذلك عليهم؛ وهو كقوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ) وكقوله - تعالى -: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ. . . .) الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>