للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من تولاهم من المسلمين صار منهم، ونحن لا نرث اليهود والنصارى، كيف وُرِثَ من صار منهم من المسلمين؟!

قيل: معنى قوله: (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) في الدِّين والكفر، لا في الحكم والحقوق؛ لأن المرتد إلى النصرانية ليس بمتروك على دينه، فلم يكن من أهل تلك الملة؛ وإنما الملة ما يُقَرُّ عليها أهلها؛ ألا ترى أن المرتد لا يرث النصراني إن كانوا أقرباء، فلو كانت النصرانية له ملة ورثه أهلها؛ لأنا نعلم أن النصارى يرث بعضهم بعضًا؛ فلمَّا لم يرثوه دل ذلك على أنه ليس من ملتهم، وأن حكمه في الميراث حكم الملة التي يجبر على الرجوع إليها، وعلى ذلك جاءت الآثار عن الصحابة: روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أتى برجل ارتد عن الإسلام، فعرض عليه الإسلام، فأبى؛ فضرب عنقه، وجعل ميراثه لورثته المسلمين.

وعن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كذلك.

وروي عن زيد بن ثابت مثله.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

قد ذكرناه فيما تقدم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ... (٥٢)

وهم المنافقون؛ كقوله - تعالى -: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)، إلى قوله: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)، وهو وصف المنافقين.

(يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ): كانوا يظهرون الموافقة للمسلمين؛ خوفًا منهم، وفي السر مع الكفرة؛ لأنهم كانوا أهل ريب وشك، ولا دين لهم، يميلون إلى من رأوا السعة معهم والأمن، وكانوا على شك من أمر مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وريب، (يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ): لعل محمدًا لا ينصر ولا يتم أمره؛ فأسروا في أنفسهم الموافقة للكفر والغش للإسلام وأهله، ويظهرون الموافقة للمؤمنين؛ لما كانوا يسمعون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يعد النصر والظفر للمؤمنين، لكن ذلك لا يتحقق عندهم، وكانوا كما قال اللَّه - عز وجل -: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ. . .) الآية، وكانوا ينتظرون النصر والظفر؛ فيميلون إلى حيث كان النصر والظفر؛ فيقولون للمؤمنين إن كان

<<  <  ج: ص:  >  >>